للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَافَحَني وَهَنَّأَنِي وَاللَّهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ فَكُنْتُ لَا أَنْسَاهَا لَهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى النَّبِيِّ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ قَالَ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، فَقُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» وَكَانَ النَّبِيُّ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّ وجْهَهُ قِطْعَةُ قمَرٍ وَكنَّا نَعْرِفُ ذلِكَ. فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ: «أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» فَقُلْتُ: إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَلا أُحَدِّثَ إِلا صِدْقاً مَا بَقِيتُ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ إِلَى يَوْمِي هذَا أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي اللَّهُ بِهِ. وَاللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِبَةً مُنْذُ قُلْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِي هذَا وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ (١)﴾ وَالْمُهَجِرِينَ وَالاْنصَرِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ (٢) وَعَلَى الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ (٣)


(١) أي أدام توبته عليه، أو تاب عليه من إذنه للمتخلفين حتى يظهر المؤمن من غيره قال تعالى ﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين﴾.
(٢) وكذا تاب على الأنصار والمهاجرين الذين اتبعوه في ساعة العسرة أي خرجوا معه في غزوة تبوك لعسرها وشدتها في الحر الشديد والسفر البعيد وقلة الرواحل والزاد والماء حتى كان الرجلان يقتسمان التمرة، والعشرة يتناوبون البعير الواحد للركوب عليه. والذين خرجوا مع النبي في هذه الغزوة ثلاثون أو سبعون ألفًا بين راكب وماش، وكان هذا الجيش يسمى جيش العسرة، ولشدة هذه الغزوة وقع في قلوبهم وساوس وخواطر كادت تردي بهم كما قال تعالى: ﴿من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم﴾.
(٣) أي ﴿و﴾ تاب ﴿على الثلاثة الذين خلفوا﴾ وهم كعب بن مالك وصاحباه ﴿حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت﴾ =

<<  <  ج: ص:  >  >>