للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ (١) وحَدَّثَناَ عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثلَ أَثَرِ الْوَكْتِ (٢)» ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ (٣) كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ (٤) فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمانَةَ فَيُقَالُ إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ ما أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ وَمَا فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيماَنٍ وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُباَلِي أُيُّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامُ وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيّاً أَوْ يَهُودِيّاً رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَماَ كُنْتُ أُبَايِعُ إِلا فُلَانًا وَفُلَانًا (٥)» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ (٦).

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فاَنْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتهاَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فاَنْتَظِرِ السَّاعَةَ (٧)»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِماَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ آمِين.


(١) فالأمانة فيهم من الفطرة وبالكسب من الشريعة.
(٢) الوكت كالوعد السواد اليسير كالنقطة.
(٣) المجل كالمطل: النفاخات التي تظهر في الأيدي من كثرة العمل بنحو الفأس.
(٤) فالأمانة تزول من القلوب شيئا فشيئا فإذا زال جزء أول منها خلفه في القلب ظلمة كالسواد، فإذا زال جزء آخر خلفه في القلب كالمجل أو كأثر جمر صغير نزل على رجلك ثم طار فتراه منتبرا أي مرتفعا وليس فيه شيء.
(٥) بايعت من البيع والشراء فقد مضى زمن الأمانة الذي كنت أعامل فيه أي إنسان إن كان مسلما أنصفني إسلامه وإلا أنصفني ساعيه أي وليه الذي أقيم عليه أو الذي يتولى أخذ الجزية منه ولكن الآن لا أعامل إلا أفرادا قليلة لعدم الأمانة وقلة الثقة بالناس، فإذا كان هذا في زمن الصحب والسلف الصالح فكيف بنا الآن، وما أحسن قول القائل:
سألت الناس عن خل وفي … فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسك إن ظفرت بذيل حر … فإن الحر في الدنيا قليل
(٦) ولكن مسلم في الإيمان.
(٧) المراد بالأمانة والأمر هنا الولاية العامة وفروعها كالخلافة والإمارة والقضاء والحكم بين الناس، فإذا وكلت هذه الأمور إلى غير أهل الدين والعلم والرأي فانتظر الساعة فإنها على وشك الظهور، فإن هؤلاء من الأمة كالقطب من الرحى وكالقلب من الجسم وكالملك من الرعية بصلاحهم تصلح الأمة وبفسادهم تفسد وتهلك، نسأل الله أن يولى المصلحين كما نسأله السلامة لنا ولجميع المسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>