للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ (١) فَدُعِيَ لَهُ فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ (٢)، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلا مَا أَخْبَرْتَنِي (٣)، قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ ما جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْماً فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا (٤) وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلاسِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخاً قَطُّ أَشَدَّ صَوتاً مِنْهُ (٥) يَقُولُ: يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لا إِلهَ إِلا اللَّهُ فَوَثَبَ الْقَوْمَ فَقُلْتُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هذَا الصَّارِخِ ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ هذَا نَبِيٌّ ظَهَرَ (٦).

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْفَضائِلِ فِي إِسْلَامِ عُمَرَ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِ آمِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


(١) أي أحضروا الرجل ولقد أخطأ ظني فيه أو أصاب وهو إما على كفره أو كان كاهن قومه في الجاهلية، فلما سأله ظهر الثاني.
(٢) أي ما رأيت يوما سمع فيه رجل مسلم ما يؤلمه كاليوم. وفي رواية قد جاءنا الله بالإسلام فما لنا والجاهلية.
(٣) أي ألزمك أن تحدثني.
(٤) ألم تر الجن وإبلاسها أي ألم تنظر إلى الجن وخوفها، ويأسها من بعد إنكاسها أي ويأسها من استراق السمع من بعد انقلابها على رأسها بتتابع الشهب عليها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها أي ولحوق الجن لأصحاب الإبل وهم العرب ومتابعتهم لهم في الدين، والمراد ألم تنظر إلى الجن وما اعتراها من عظيم الهول بظهور النبي العربي الذي سيؤمن به الإنس والجن لأنه مرسل لكل الخلق ولكن للثقلين تكليفا ولغيرهما تشريفا.
(٥) قال عمر من هذا العجب ما رأيته يوما وأنا عند الأصنام حينما جاء رجل بعجل فذبحه لصنم منهن فسمعت صارخا بصوت شديد ما سمعت مثله قط ينادى الذابح للصنم بقوله: يا جليح أي يا عدو الله يا ظاهر العداوة، أمر نجيح أي هذا أمر ناجح وهو رجل فصيح يقول لا إله إلا الله هو محمد ظهر ينادي بها، فوثب القوم وقاموا من هول هذا القول.
(٦) ولكني جلست حتى سمعته مرة ثانية ثم قمت، فما نشبنا أي ما لبثنا قليلا حتى قيل هذا نبي ظهر للناس وهو محمد ، فإخبار الجن وقول الهاتف بظهور النبي حق لا شك فيه لأنهما ليسا من صنع الآدمي بل بخلق الله الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>