للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلونَ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْر وَعُمَرَ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ (١) حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾، الْآيَتَيْنِ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَياتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ .

• عَنْ أَنَسٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانَ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ (٢) فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلافَهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ (٣)، فَقَالَ


(١) العسب جمع عسيب: كقضيب وهو أصل جريد النخل المريض الخالي من الحوض، واللخاف جمع لخفة: وهي قطعة الحجر أو الخزف الرقيقة، وفي رواية: والرقاع جمع رقعة وهي قطعة الأديم، فلما مات كثير من القراء في وقعة اليمامة قال عمر لأبي بكر: إني أخاف على القرآن من موت القراء وإني أرى أن تأمر بكتابته. وبعد أخذ ورد ظهر لهما أن هذا فرض عيني فأحضر أبو بكر زيد بن ثابت وأمره بجمع القرآن فتوقف حتى أقنعه الشيخان ثم شرع في جمعه، وقد كان القرآن من عهد النبي إلى هذا الحين مفرقًا عند الأصحاب حفظًا وكتابة؛ عند بعضهم في العسب وعند بعضهم في الرقاع وعند آخرين في ألواح، كل واحد كتب ما سمعه من النبي ، فيما تيسر له؛ فقال زيد: من تلقى من رسول الله شيئًا من القرآن فليأت به وكان زيد لا يكتفي منهم بالمكتوب ولا بالسماع حتى يستشهد شاهدين فضلا عن حفظه فجمع القرآن كله من تلك الأشياء ومن صدور الرجال وكتبه في صحف ووجد الآيتين من آخر سورة التوبة مع واحد من الأصحاب فقط وهو أبو خزيمة الأنصاري وبقيت هذه الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر حتى طلبها عثمان ونسخها في عدة مصاحف كما في الحديث الآتي.
(٢) إرمينية: مدينة عظيمة بين بلاد الروم وخلاط، وأذربيجان: إقليم واسع فيه مدن كثيرة أشهرها تبريز.
(٣) فإن أهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب وما سمعها أهل العراق الذين يقرأون بقراءة ابن مسعود فكان كل فريق يخطئ الآخر بل يكفّره.

<<  <  ج: ص:  >  >>