للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ (١) وَكَانَ قَبْلَ ذلِكَ رَجُلاً صَالِحاً وَلكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقَتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ (٢) فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا

وَسَكَتَ (٣) قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا وَهُمَا يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكاءَ فَالِقٌ كَبِدِي. فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِبلَ قَبْلهَا وَقَدْ لَبِثَ شَهْراً لَا يُوحى إِلَيْهِ في شَأْنِي قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا (٤) فَإِنْ كُنْتِ بِرَيئَةً فَسَيُبَرِّئكِ اللَّهُ. وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ عَلَيْهِ (٥)» قَالَتْ: فَلَمَّا قَضى رَسُولُ اللَّهِ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً (٦) فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا قَالَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُ لِأُمِّي:


(١) هو سيد الخزرج .
(٢) فسعد بن عبادة لما سمع قول سعد بن معاذ غلبته الحمية والأنفة إذ تولى سعد بن معاذ نصر النبي ويريد أن يتولى ذلك هو، فرد عليه بما قال؛ فقام ابن عم سعد بن معاذ وهو أسيد بن حضير فرد على سعد بن عبادة انتصارا لابن عمه.
(٣) وانصرف النبي إلى بيته.
(٤) كناية عن قول أهل الإفك.
(٥) ألممت بذنب أي وقعت فيه بخلاف عادتك فاستغفري الله وتوبي إلى الله فإن الله يقبل توبة من أناب إليه.
(٦) قلص دمعي أي انقطع لأن الحزن إذا اشتد فقد الدمع لشدة حرارة المصيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>