للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ﴾ الآيَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا شَيْئاً مِنَ الْقُرْآنِ إِلا أَنَّهُ أَنْزَلَ عُذْرِي (١). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَتْ عَائِشَةُ : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ضَاحِكاً حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ (٢) إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ، قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْماً أَوْ رِيحاً عُرِفَ فِي وَجْهِهِ (٣)، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ». عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيح وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقالُوا هذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا (٤). رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.


(١) فمعاوية ولى على المدينة مروان وأمره أن يخطب الناس على المنبر ويحثهم على مبايعة يزيد ابنه إذا تنازل له أبوه عن الخلافة؛ ففعل فرد عليه عبد الرحمن بقوله: هرقلية إن أبا بكر والله ماجعها في أحد من ولده ولا أهل بيته، فقال مروان: خذوه، فالتجأ إلى بيت أخته عائشة فتركوه، فقال مروان: هذا الذي ذمه القرآن بقوله ﴿والذي قال لوالديه أف لكما﴾ أتضجر منكم ﴿أتعداني أن أخرج﴾ من قبري ﴿وقد خلت القرون من قبلي﴾ ولم تخرج من قبورها ﴿وهما يستغيثان الله﴾ يسألانه الغوث برجوعه ويقولان له ﴿ويلك آمن﴾ بالله وبالبعث ﴿إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين﴾ ما هذا القول إلا أكاذيب الأولين، وبعد الخطبة ذهب مروان لبيت عائشة فكلمها فيما حصل من أخيها فقالت له: كذبت والله ما نزل القرآن فينا بشيء إلا ببراءتي، ورأى مروان في الآية ضعيف فإن عبد الرحمن أسلم فكان من خيار المسلمين والآية في الكافر العاق لوالديه والله أعلم.
(٢) جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك.
(٣) التغير والكراهة.
(٤) القوم في الموضعين هم عاد قوم هود ، والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى إلا لقرينة كما هنا فتكون عينها وكقوله تعالى ﴿وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله﴾، فعاد أهلكوا ريح صرصر عاتية رأوها كسحاب لقوله تعالى ﴿فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم﴾ سحابًا عارضا في السماء سائرا نحوهم ﴿قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ قال تعالى ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ وهلكوا رجالا ونساء وأطفالا وأموالا وبقي هود ومن آمن به وهم أربعة آلاف، حوط حولهم بخط فكانت الريح لا تعدوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>