للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معرفة حقيقة عمارة بيوت الله]

إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد! الله اتقوا الله تعالى حق التقوى؛ فهي وصية الله للخلائق أجمعين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١].

معاشر المؤمنين! ابتداءً من يوم غد السبت ولمدة أسبوع تهتم الجهات الحكومية على اختلاف مهماتها، وطلبة الجامعات والمدارس، كل أولئك يهتمون ويبذلون مزيداً من الجهد للمشاركة في الأسبوع السنوي للمساجد، والموضوع اليوم متعلق بذلك.

عباد الله: لقد ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم فضل وثواب المعتنين بالمساجد والمهتمين بها فقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:١٨] وعمارة المساجد ليست قاصرة على إنشائها أو بنيانها فقط، بل إن عمارة المساجد المذكورة في الآية شاملة للعمارة بكل معانيها، فيدخل في ذلك إنشاؤها وبنيانها؛ سواءً كان بانيها متبرعاً بذلك من خالص ماله وحله، أو ساعياً في جمع ذلك المال لبناء المساجد به، أو متبرعاً بشيء مما يصلح لبنيانه وإنشائه، ويدخل في عمارة المساجد عمارتها بالسعي إليها والصلاة مع الجماعة فيها، وقراءة القرآن وتعلم العلم وتعليمه فيها، وقد ذكر الله جل وعلا صفات عمار المساجد بقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة:١٨] وبذلك دلت الآية أن من اتصف بهذه الصفات فهو بإذن الله من عمار بيوت الله، الذين ترجى لهم الهداية والتوفيق، إذ قد يعمر المساجد من يباهي ويرائي بعمارتها وقد يعمرها من مال حرام، والله طيب لا يقبل إلا طيباً.

بنى مسجداً لله من غير حله فكان بحمد الله غير موفق

كمطعمة الأيتام من كد عرضها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي

إن بعض المسلمين هداهم الله قد يتاجرون في أموال ربوية، وتجارة محرمة، وصفقات مشبوهة، وبعد ذلك يطيب خاطره بقوله: أبني مسجداً أو مسجدين من هذا المال، ويظن أن تبعة ماله بذلك قد انتهت، وقد نسي أنه سيحاسب على ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، ديناراً ديناراً ودرهماً درهماً.