للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[معنى الغلول]

الحمد لله الذي لم يزل بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.

وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له كان على كل شيء قديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا لله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [آل عمران:١٦١].

نزلت هذه الآية يوم أن فقد الصحابةُ رضوان الله عليهم قطيفة بعد غزوة من الغزوات، فقال بعضهم: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها؟ فنزل قول الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:١٦١].

والأصل في الغلول: الأخذ من الغنيمة قبل أن تُقسم، ويدخل فيه كل أخذ من بيت مال المسلمين، ويدخل فيه كل أخذ أو كل أثرة من مصالح المسلمين دون رضى الأمة بذلك.

معاشر الأحبة: قال الإمام أحمد رضوان الله عليه فيما يرويه في (مسنده): استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فجاء فقال: [هذا لكم، وهذا أُهدي إلي] فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: (ما بال العامل! نبعثه على عمل، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي؟ أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيُهدى إليه أم لا، والذي نفس محمد بيده، لا يأتي أحدكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثغاء، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟) قالها صلى الله عليه وسلم ثلاثاً.

وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأَعْرِفَنَّ أحدَكم يأتي يوم القيامة يحمل شاةً لها ثُغاء، ينادي: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملكُ لكَ من الله شيئاً، قد بلَّغْتُك، ولأَعْرِفَنَّ أحدَكم يأتي يوم القيامة يحمل جملاً له رُغاء، يقول: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملكُ لكَ من الله شيئاً، قد بلَّغْتُك، ولأَعْرِفَنَّ أحدَكم يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمة، ينادي: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملكُ لكَ من الله شيئاً، قد بلَّغْتُك، ولأَعْرِفَنَّ أحدَكم يأتي يوم القيامة يحمل قسماً من أدَمٍ، ينادي: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملكُ لكَ من الله شيئاً).

وقال أبو عيسى الترمذي: عن معاذ بن جبل قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فلما سرت أرسل في إثري، فرددتُ، فقال: أتدري لم بعثتُ إليك؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:١٦١]).

معاشر المؤمنين: الأحاديث في شأن الغلول عظيمة وكثيرة جداً، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم جُملة من الأحاديث الصحيحة فيها، مما يعظم شأن الغلول وعِِظَم خطره، وشؤم ذنبه في الدنيا والآخرة.