للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدين الإسلامي صمود وشموخ]

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:٣٣].

معاشر المؤمنين: على مشارف القرن الواحد والعشرين وقبل بزوغ فجره بسنواتٍ، يحسن أن نقف على حقيقةٍ مهمةٍ وقضيةٍ خطيرة، وهي أنه يمضي على ظهور هذا الدين أكثر من أربعة عشر قرناً هجرياً لم يضعف ولم ينحرف ولم يضل الطريق، بل يزداد قوةً ومضياً وعطاءً وكثرة أتباع، دينٌ لا يمكن أن يقضي عليه خصومه، أو يوقفون حركته كما يظنون أو يتوهمون؛ تلك أمانيهم وما يضمرون، فبئست من أمانٍ وخسأت من منون.

أربعة عشر قرناً وأمة هذا الدين تجابه التحديات الخطيرة، فتستجيب لها وتخرج منها ظافرةً مرفوعة الرأس، عالية الراية، قامتها فوق الهامات وأهدافها فوق الأهداف، إن هذا الدين، قد واجه أصنافاً وألواناً من العداء والعدوان، مشركي الوثنية بقيادة الملأ من قريش اليهود المنافقين المرتدين أدعياء النبوة الزعامات الكاذبة رءوس الطواغيت في بلاد كسرى وقيصر الصليبيين المغول المستعمرين القدماء والمستعمرين الجدد، موجات إثر موجات يتكسر عنقها الشرس اللجوج على صخرة هذا الدين فترتد زبداً وغثاء، ولا يبقى إلا عطاء هذا الدين الذي ينفع الناس: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:١٧].

أربعة عشر قرناً وهم يقاتلون هذا الدين، في محاولةٍ مديدةٍ متواصلة، لرد أبنائه عنه، لا يرضون له، أن يمضي إلى غايته التي رسمها له الله، ولا لأبنائه أن يختاروا طريقاً شرعه الله، أربعة عشر قرناً ونداءات القرآن تحذر وتنذر فما من لحظةٍ سيلقى فيها السلاح، أو يكف الخصم فيها عن البغي والكيد: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:٢١٧] {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠] {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:٣٢].

فلتقر أعينكم، ولتقرَّ أعين أتباع هذا الدين في أنحاء الدنيا، ولترغم أنوف خصومه؛ فإن النصر لن يكون إلا لهذا الدين: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:١٧١ - ١٧٣] تلك حقيقةٌ واضحة، وذلك أمرٌ ينطق به الوحي: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥].