للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العولمة وحقيقتها]

أيها الأحبة! طالعتنا منذُ أيامٍ ليست بالقليلة، وما هي علينا بغريبة:

إذا بنيَّ ضرجوني بالدمِ

من يلق آساد الرجال يُكلمِ

شنشنةٌ نعرفها من أخزم

جاءونا بمصطلحٍ جديد اسمه العولمة! فما هي هذه العولمة؟ مصطلحٌ لا تزال كثيرٌ من القنوات، وكثيرٌ من وسائل الإعلام تردده وكثيرٌ من مؤسسات صنع العقول تطرحه وتسوقه إلى المثقفين خاصة، وغيرهم عامة، ما هو مضمون هذه العولمة؟ كلمة جميلة خفيفة على اللسان؛ لكنها تحوي من السم ما يفتك بكل إنسان.

ما هو مضمون هذه العولمة؟ اسمعوا وعوا يا عباد الله! حتى لا تُخدعوا بما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان: (يأتي في آخر الزمان أناسٌ يشربون الخمرة، يسمونها بغير اسمها) وسيأتي قومٌ ينطقون بالعولمة ويتلذذون بها، ويدعون إلى تسويقها، وفتح الأذرعة لاحتضانها، وفتح القلوب لاختزالها، وفتح العقول لتخزينها، وفتح كل شيءٍ يملكونه من أجل ما يظنونه مكسباً حينما يتعاملون معها وبها ولها.

مضمون هذه العولمة: أن يتحول العالم كل العالم إلى قرية كونية واحدة صغيرة، وهذا النمط المطلوب المقصود هو النمط الغربي بنموذجه المادي، تحول العالم إلى قريةٍ واحدة على نمطٍ واحد، في نمطٍ غربيٍ في نموذجه المادي المغرق بحب السيطرة، ومعنى هذا أنه من حق الأمة المسيطرة أن تسعى لفرض ثقافتها وسلوكها ومعتقدها ومصالحها، لماذا؟ ليروج بين حينٍ وآخر أن هذه العولمة ليست شراً محضاً، ففيها مصالح شتى، وفيها فوائد كثيرة، انتقال المعلومات، ونقل التقنية، وتزحلق رءوس الأموال اللازمة، لتنمية البلدان الفقيرة والنامية والأقل نمواً.

هذا ظاهر العولمة، ولكن ما هي شروط العضوية فيها؟! بل ما هي رسوم الاشتراك للدخول إلى مسرحها؟ التي يريد الغرب من أمة الإسلام أن يكونوا مطنطنين مطبلين مقلدين لكل ما فيها!! العولمة أيها الإخوة: لا تعني انتقال البضائع والخدمات والنقد والمعلومة والشركة والسلوك والثقافة، لا تعني انتقال هذه الأمور منفردةً مستقلةً واحدةً تلو الأخرى لتختار منها ما تشاء! وترفض ما لا ينبغي! وما لا يجوز! وتطرد ما يضر ويهلك، لا.

العولمة جملةٌ متسقة متناغمة مرتبطٌ بعضها ببعض، تطبيعٌ في العقول وفي القلوب، وفي الاقتصاد، وفي الإعلام، بل وخلط للعقائد مع المبادئ مع الأخلاق مع العادات مع المذاهب، مع الآراء، مع النظريات.

كما قال الساقط قريبا في مبدئه المسمى: بـ الشتيلا ( Balshtella) اخلطوا عقائد الأديان الخمس، واجعلوها مزيجاً واحداً، لا تجد صراعاً على وجه الأرض: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:٣٢] ولا يمكن أن تتلوث عقيدة نقية بوحيٍ معصوم مع عقائد محرفة أو أفكارٍ من زبالة أذهان البشرية.

إن العولمة تعني أن يقدم هذا الطعم كله جملةً واحدة، لا خيار لا خيار لا إرادة لا خيار في الانتقاء فيه، إن العولمة تعني أن تقبل الحاسب مع الموضة، وأن تقبل التقنية مع الثقافة، وأن تقبل النظرية الفيزيائية والكيميائية مع الذوبان الاجتماعي، والانصهار الأسري، والانحطاط الأخلاقي، والتردي فيه مستنقعات الرذيلة، إنها قضيةٌ لا تحتاج إلى ذكاءٍ شديدٍ لنعرف حقيقتها، بل ذكاءٌ فطريٌ يسير، يكفي لتعرف أن العولمة هي الثقافة الغربية النصرانية المادية الكافرة في نموذجها الأشد فجاجةً، والأشد غطرسةً وتعالياً.

العولمة: كلمةٌ رقيقة، لكن أنيابها مفترسة، ومخالبها جارحة، دمرت الاقتصاد في دول شرق آسيا، ونظمت مؤامرات المرأة والسكان، والبقية قادمة.

العولمة: هي التي جعلت النمور الأسيوية تعيش مرحلةً في هزة اقتصادية غريبة وعجيبة، ونسأل الله أن يجعل العاقبة خيراً للإسلام والمسلمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.