للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب التسليم لأمر الله وأمر رسوله]

أيها الأحبة في الله: ما دمنا قد علمنا أن المعروف معروفاً والمنكر منكراً بكلام الله وكلام رسوله، فإن أول ما يتعلق بنا ونحن من ركاب سفينة المجتمع هذه؛ أن نعلم أن من واجبنا الإذعان والانقياد؛ فالأصل في كل مسلم أن يقبل الحق وأن يعمل به؛ والأصل في كل مسلم أن يرد المنكر وأن يزجر عنه دون عناد أو جدال، حتى إن علم الحكمة أو جهلها، إن فهم المقصد أو غاب عنه؛ فواقع المسلم وأصل المسلم أن يقبل الحق وأن يقول فيه: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:٢٨٥].

الأصل في المسلم أن يكون مستجيباً منقاداً مخبتاً لأمر الله وأمر رسوله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦]، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١] أين نحن من: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١] أين نحن من (ليس لنا الخيرة في أمرنا هذا) ما دام الأمر قد ورد من عند الله، والنهي قد جاء من وحي يُوْحَى مثل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينبغي لنا إلا الاستجابة.

إنك تعجب من مسلم تقرر له القاعدة في أن الربا محرم، أو أن هذا الأمر لا يجوز، أو أن هذه المسالة لا تجوز ثم يقول: ولكنهم في الغرب اكتشفوا، ولكنهم في الشرق علموا، ولكنهم وصلوا ودخلوا وقرروا! بل وأعجب من هذا أن تجد مسلماً يسلِّم بل يعتقد بل يؤمن بل يوقن أن شجرةً بعرض هذا العمود قد كتب عليها أحد علماء الآثار أن هذه الشجرة عمرها ثلاثة آلاف سنة، فيصدق وينقل هذا الخبر للناس مع أن المكتشف ليس عنده سند متصل ممن غرس هذه الشجرة إلى هذا الزمان حتى يُعْرَف أن عمرها ثلاثة آلاف سنة أو ألف أو خمسمائة سنة! وربما أخرجت أحفورة من الأحافير أو قطعة أثرية من الآثار ويَكتب باحثُها: مائة سنة، أو ثمانمائة سنة، فيسلِّم بعقله مستجيباً، ولو ناقشه أحد لقال: ألا تسلِّم لأهل العلوم في علومهم؟! ألا تسلِّم لأهل الفنون في فنونهم؟! ألا تسلِّم لأهل الطب في طبهم؟! لماذا لا تسلِّم لذوي الاختصاص؟! فإذا قيل له: قال الله وقال رسوله، قال: لماذا؟ وكيف؟ ولعلل! ويمكن! وربما! وأين؟ وأتى لك بجميع أدوات الاستفهام والحذف والجر والإضافة غير مستجيب لأمر الله وأمر رسوله! فأين استجابته بالتصديق الموقن فيما يتعلق بشجرة عمرها ثلاثة آلاف سنة؟! وأين استجابته لقطة أو لاكتشاف أثري بيد واحد من علماء الآثار من استجابته لكلام الله وكلام رسوله؟! شتان ما بين هذا وهذا! إن من المصائب في هذه السفينة التي نبحر بها ونمخر عباب البحر المتلاطم بالأمواج فيها، أن تجد من أبنائنا من لا يزال ينخر بل يخرق في لوح السفينة، وإذا قيل له: إن مضيك في هذا الخرق يحدث فجوة تغرق هذه السفينة؛ فتجده ينازع ويجادل ويناطح ولا يستجيب أبداً ويستجيب لأمور لا دليل عليها من عقل.

إن القضية تتعلق تعلقاً أصلياً بمسألة العقيدة، وكيف يكون تعلقها؟ انظر أخي الكريم إلى مريض من المرضى يشكو علة من العلل وسقماً من الأسقام وداءًَ من الأدواء، ثم يُذكر له طبيب ماهر بارع خبير بأمراض الأبدان، فتجده يذهب إليه ويبوح بأسراره، ويكشف علته، ويصف أعراضها وحالها وأوصافها فيقول الطبيب: افتح فمك، مد يدك، ارفع رجلك، انزع ثيابك، خذا هذا الشراب، وخذ هذا الدواء، وامتنع من الطعام، وكُلْ هذا الطعام، فتجده مستجيباً حتى لو جُعِل الحديد والإبر في بدنه لقال: هذا من حكمة هذا الطبيب الذي عرف هذا الدواء لذلك الداء في ذلك الموضع في تلك الساعة في ذلك المكان، استجابة لا ينازعها تردد أبداً، لماذا استجاب؟! لأنه أيقن وعلم علماً لا جهل فيه، ويقيناً لا شك يخالطه؛ أنه ذاهب إلى طبيب ماهر قد سلَّم لعلمه وحكمته فكان نتيجة تسليمه استجابة لا تردد فيها بأي حال من الأحوال، فإذا قيل له: هذا أمر الله وأمر رسوله ربما وجدت تردداً وعناداً، واختلافاً وإصراراً، وتعليلاً وتأويلاً وغير ذلك! {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].