للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دور المدرسة في التربية]

قد يوجد الشاب وتوجد الفتاة في أسرة ملتزمة مستقيمة، نستطيع أن نقول: إننا نحكم ونجزم بإذن الله جل وعلا، أن يكون الشاب والذكر والأنثى على أحسن صورة، لكن هذا لو قدرنا أن البيت وحده هو الذي يحكم عملية التربية، لكن هناك متحكم آخر في التربية ألا وهو المدرسة.

المدرسة سواءً كانت مدرسة بنات أو مدرسة بنين، فلا بد أن يكون لهذه المدرسة أثر عظيم.

أولاً: أول من يكون له أكبر الأثر بعد أثر الأب المدرس، والمصيبة العظمى والداهية الدهياء في قضية المدرسة، أن تكون المدرسة صورة مخالفة لما يدرسه الطالب وما يتعلمه وما يتلقاه من التعاليم، الابن الملتزم أو الابن الذي في أسرة مستقيمة صالحة، يجد جل وأغلب أصدقاء أبيه من الملتزمين والمستقيمين وممن عليهم مظاهر السنة، من إعفاء اللحى والالتزام بالزي الإسلامي.

فيجد أن مدرس الدين الذي يدرسهم التوحيد والفقه، هو مدرس حليق، هو يسمع والده يقرأ مع زملائه عن حرمة التدخين وأضرار التدخين، أنتم لا تظنون أن الأطفال لا يفهمون -كما قلنا- حتى الذي في أول ابتدائي في قرارة نفسه أنه يدور موضوع حول قضية معينة، هو لا يفهم القضية كاملة، لكن لو جلس مجلساً مع أبيه ومع أصدقائه فالمحصلة التي يخرج بها هذا الشباب أن التدخين سيئ، لكن أكثر من هذا لا يعرف، فإذا به يجد الباكيت في جيب المدرس، ويا للأسف إنه مدرس المادة الشرعية، ومن هنا يبدأ الانفصام.

الأمر واحد من اثنين، إما أن يفهم الطفل أن المدرس مخطئ، وإما أن يفهم الأمر الآخر وهو أنه يمكن أن نفرق بين ما نتلقاه، وبين ما نطبقه، وهذا عين الانفصام الذي دعت إليه النصرانية، وقالوا: لا مانع لدينا أن نتلقى تعاليم الكنيسة في يوم الأحد، في إطار الأحوال الشخصية، لكن ليس للكنيسة سلطان على الأفراد فهم أحرار يفعلون ما يشاءون.

إذا وجد هذا الانفصام من مدرس المادة الشرعية، فذلك أكبر خطر على الطالب، ومن واجب الآباء والأمهات أن يطمئنوا على قضية التلقي، من هو الذي يلقن ويجعل أولادك يتلقون؟ البنية عندما تكون في المدرسة عندها المعلمة هي أفضل صورة بعد أمها، أي شيء المعلمة، قالت المعلمة، فعلت المعلمة، لا تعرف إلا هذا المدرسة، الابن لو خالفته في قضية معينة، يقول: أستاذي يقول هكذا، من أنت حتى تخالف الأستاذ؟ الأستاذ له مكانة وله دوره في نفس الصغير، له أكبر الأثر بعد دور الأب.

إذاً إذا كان دور المدرس مكملاً لدور الأب، كان الابن بإذن الله إلى درجة سبعين في المائة أو ثمانين في المائة، ينال حظه من الاستقامة والصلاح، وتركت العشرين أو الثلاثين في المائة الباقية لوسائل الإعلام، فلها دور في التأثير وفي التوجيه.

المسألة الأخرى في قضية البنت، إذا كانت ترى من معلمتها سلوكاً وتصرفات جيدة، ترى أن المعلمة حريصة ألا تخرج من المدرسة إلا وقد اعتنت بالحجاب، حريصة ألا يكون منها أي تصرف خاطئ، رأت المعلمة حريصة على الاهتمام بأمور معينة، ولا تعطي الأمور التافهة ذلك الاهتمام، فإن هذه البنت تتأثر بها غاية التأثر، وبالعكس إذا رأت المعلمة بشكل مخالف -لا حول ولا قوة إلا بالله- إذا جاءت المدرسة متغيرة بألوان ومساحيق وأشكال، لا تعجب الصغيرة إلا بهذه المساحيق والألوان، وأول ما ترجع إلى البيت تدخل إلى حجرة أمها، وتجلس عند التسريحة، وهات يا مكياج وعدل وشكل ولون! لأنها أعجبت بهذا المنظر وبهذا الشكل وبهذه الشخصية من معلمتها، ومن ثم فالتقليد طبيعة في الصغار.

ثم أيها الإخوة! المدرسة قد تشاطر، أو يغلب حظها حظ الأسرة من التربية لماذا؟ أنا أسألكم الآن، هل صافي ما تجلس مع ولدك أربع ساعات في اليوم؟ ثلاثة ساعات صافية؟ ساعتين؟ لا أظن، بالأكثر ساعتين وكثر الله خيرك، المدرسة كم يجلس فيها الطفل؟ ست ساعات متواصلة، مدرس يخرج ومدرس يدخل، مدرس يدخل ومدرس يخرج، كذلك البنية معلمة تخرج معلمة تدخل وهلم جرا.

إذاً فللمدرسة دور عظيم في التأثير على صناعة شخصية الأطفال من البنين والبنات، ولذا فإني أدعو كل أم أن تتعرف على من يدرس أطفالها، وأدعو كل أب أن يتعرف على من يدرس أطفاله، إذا ذهبت إلى المدرسة ورأيت المدرس غير ملتزم فليس بيدك أن تعدل أو تغير، هذا هو الذي يدرس ولدك، لا ينبغي أن تقول لولدك: المدرس فيه كذا وكذا، هذا أيضاً خطأ؛ لأنه إذا اتخذ من المدرس موقفاً لم يعد لديه أي استعداد أن يقبل العلم منه حتى واحد زائد واحد، خمسة ضرب اثنين، أ- ب - ت - ما عنده استعداد أن يتقبلها ما دام جرحت في شخصية المدرس فإنه يبدأ ينظر إلى المدرس باحتقار، وليس عنده استعداد أن يتقبل منه.

لكن أنت انظر الأوضاع والصور المخالفة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم في شخصية المدرس، والأم تنظر الصور والأوضاع المخالفة لما ينبغي أن تكون عليه المسلمة في شخصية المعلمة، ومن بعيد إلى بعيد تقول: إن الإسلام يأمر بكذا، ويحض على كذا، وينهى عن كذا، ويحث على كذا، يحرم كذا، يوجد كذا، من دون جرح لشخصية هذا الرجل؛ لأن القضية قضية تلقي فهي قضية حساسة، فقد تكون سبباً في حرمان ولدك من قبول العلم والفائدة، لو أسأت تفهيم ولدك هذا الدور المناسب، أو هذا الدور الذي ينبغي أن تقوم به أنت وبكل دقة.

هذه من أهم المسائل التي لها أثر عظيم وكبير، والحمد لله فالكثير منا طلبة علم؛ خاصة لو أن الواحد يدرس مواد شرعية، أو يدرس حتى الأطفال، بقدر ما يكون لك دور في التأثير على شخصية المدرس، فإنك بإذن الله تنال أجر التأثير على مئات الطلاب الذين يدرسون تحت يدك، ولذلك كان الاهتمام بالعملية التربوية، والاهتمام بالتربويين والمدرسين من أعظم ما ينبغي أن توجه إليه جهود الدعاة بالدرجة الأولى؛ لأن أولئك لهم دور عظيم في صناعة الأجيال.

وكم عرفنا من الشباب الصالحين الأتقياء الأبرار، الذين تبوءوا أماكن طيبة في مجالات علمية ومهنية وتقنية وميدانية وغيرها، بسبب دور قام به المعلم فأثر عليهم فاستجابوا له، فمضوا بقية حياتهم على هدى واستقامة، وانقلبوا بنعمة من الله وفضل على أنفسهم وعلى مجتمعهم وعلى أفراد أسرهم.

أما الطفل الذي تراه يقلد من المدرس شكل سيارته، يتمنى أن تكون له سيارة مثل سيارة هذا الأستاذ، مصيبة المصائب إذا كان مثل هذا مدرس، قد يستغرب البعض هل يوجد؟ أقول: نعم، وجد في فترة ما، ولكن ولله الحمد والمنة بدأت هذه الظاهرة تتلاشى، لكن في الحقيقة والله يؤلمك أن يقف المدرس أمام الطلاب، لا ينطق القرآن جيداً، ثوبه مسبل، حليق، الباكيت في جيبه، أشياء كثيرة وكثيرة كلها من المظاهر الخاطئة.

هذا والله يحز في النفس؛ لأن الطفل يرى المدرس هكذا فلا دام المدرس فعل، إذاً لا إنكار ولا غرابة ولا مخالفة فيما فعله المدرس، ومن هنا كان توجيه الدعاة إلى الاهتمام بالمدرسين والمدرسات والمعلمين والمعلمات، وإعطائهم أكبر الأثر وأكبر النصيب من جهود الدعوة، إنهم بذلك يصنعون أفراداً أتقياء أبرار مخلصين لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين ولعامة المسلمين أيضاً.