للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التربية على كره أهل المعاصي وحب أهل الطاعة]

كذلك من الأمور المهمة في مسألة التوجيه والتربية، وأبناؤنا أمانة في أعناقنا، أن نربيهم على كره المعاصي وأهلها، وحب الطاعات وأهلها، فنعود أبناءنا، حب أهل الخير، وحب العلماء وحب الصالحين، وإكرامهم وتبجيلهم وتقديرهم واحترامهم، وفي المقابل نعودهم على بغض أهل المعاصي، وإذا رأينا أمراً من أمور المعصية أو وقعت أعينهم على صورة مُهَرِّجٍ أو مطربة أو مغنية أو فاجر أو فاسق، لا بد أن يسمعوا منا عبارات هم في داخل عقولهم يحكمون، ويكونون تصوراً، ويفهمون أن هذه صورة مرفوضة منبوذة غير مقبولة لا ينبغي أن يكون الإنسان في مثل هذه الصورة أبداً بل ينكرون إذا رأوا أحداً يفعلها، ولذلك تجد الأطفال الذين تربوا في بيوت الإيمان والصلاح والاستقامة إذا زاروا أقارب لهم ورأوا أطفالهم قد علقوا الملابس التي عليها الصور قالوا: انظر الطفل معلق صورة على صدره!! -لأن الطفل تعود في تربيتنا له في بيتنا أنه لا يلبس هذا الشيء- يا أماه! انظري هذه بنت مظهرة لأرجلها ولا تستحي، ما تسترت؛ لأننا عودناها وإن كانوا أطفالاً لم يبلغوا أن البنت تستر العورة، ولا يخرج من عورتها شيء، الطفل يقول: انظر يا أبي! هذا يشرب الدخان، هذا يفعل كذا! لأنك ربيته على ذلك، كيف ينكر؟ لأنك من قبل ربيته على أن التدخين من أسباب السخط والعقوبة، وأنه محرم ولا يليق ولا يجوز، علمت الأم ابنتها أن التبرج منه أن تخرج المرأة ساقيها أو فخذيها، وأن اللبس الذي يكون فيه شيء من الصور لا يجوز وغير ذلك، فأنت علمته أشياء، لما رأى ضدها صار عنده معادلة داخلية، تعلم من أهله أن هذا لا يليق، ورأى أناساً ينفذون هذه الأمور ويتلبسون بها وهي لا تليق، فكانت النتيجة الصحيحة أن الطفل الصحيح ينكر هذه المشاهد.

الطفل الذي تربى تربية صحيحة، تقول له: تتمنى أن تصبح فناناً؟ يقول: أعوذ بالله، أنا لا أرضى أن أكون فناناً، وقد يقول كلمات طبعاً لا يلزم بالضرورة أن تكون أحكاماً صحيحة، ولكن الصغير يقول: هذا في النار، مباشرة! لأنه تعلم أن هذا أمر لا يليق أبداً، وتسأله تريد أن تصبح أستاذاً؟ يقول: نعم.

أريد أن أصير أستاذاً أصير طياراً أصير إماماً أصير شيخاً ولو قلت لاثنين من الأولاد الصالحين: هذا فنان وهذا شيخ، سيغضب الذي قلت له: فنان، ولا يقبل ولا يرضى؛ لأنه تعود وعنده صورة أن صورة الفنان حقيرة خسيسة تافهة، وصورة الشيخ صورة جليلة مهمة، فهو يتمنى أن يطلق عليه الصورة التي تليق، ويتمناها ويحبها، نحن ينبغي أن نربي أولادنا على مثل هذا الأمر.

صحيح أن الأطفال لا يفهمون الكثير من القضايا الفكرية لكن التربية تختزل أشياء كثيرة جداً جداً وخاصة في مرحلة الطفولة، فمبدأ تبغيض المعاصي وتكريه المحرمات في نفوس الأطفال بحيث يبدأ الطفل يكره الشر والأشرار، ويحب الخير والأخيار هذا يجعله -ولله الحمد- على درجة مهمة جداً، بل وفي القرآن ما يؤكد ذلك، كما قال تعالى على لسان لقمان عليه السلام وهو ينصح ولده: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:١٨ - ١٩] يبغض له الصياح والإزعاج الذي ليس له داعٍ ولا موجب ويقول: هذا الذي يزعق بالصوت مثل الحمار-أجلكم الله- فلنا في هذا حجة قرآنية: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء:٣٧] كل هذا مما يؤكد على أن بيان الصورة السيئة الكريهة، وجعل الطفل يمقتها ويبغضها ويكرهها، أمرٌ في غاية الأهمية.