للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حاجتنا إلى الحفاظ على أمن الأمة]

أيها الأحبة! وما دمنا قلنا إن هذه السفينة تعالج أخطاراً في داخلها، وتواجه أعاصير وأمواجاً من خارجها فإن سلامتها وأمانها واطمئنانها يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلكم سبب خيريتها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [آل عمران:١١٠].

هذه الصفة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي سبيل الأمان للسفينة، هي سبيل دفع الأمواج عنها وحفظ أهل السفينة وإصلاح شأنهم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبيل اكتسابها الخيرية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من دلائل بل من أوضح سمات أهلها: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [التوبة:٧١].

إذاً: نحن بحاجة إلى أن نشعر بالمسئولية، المدرس بحاجة إلى أن يشعر بها، المعلمة بحاجة إلى أن تشعر بهذه المسئولية وأن تتحملها، وأن تنظر وتتأمل حجم الخطر، ولك أن تتأمل الشيء عند فقده، وإذا أردت أن تعرف قيمة نعمة الأمن التي أنت فيها، فتخيل أنك ذات ليلة تبيت بلا أمن فهل تجد طريقاً سابلة؟ هل تطمئن على دار؟ هل تطمئن على مال؟ هل تخرج من بيتك آمناً على أهلك؟ هل تظن مصالحك ماضية؟ هل وهل وهل؟ انظر كل أمر من أمورك منذ أن تبدأ الصباح إلى أن تنتهي، نريد أن نشعر بحجم المخاطر التي تكتنف هذه السفينة؛ إذ أن شعور الإنسان فرع عن تصوره، إن الذي لا يتصور شيئاً لا يشعر تجاهه بقليل ولا بكثير، لكن تصور الأمر حق التصور هو الذي يجعلك تقدره.

خذ على سبيل المثال: أنك في انعدام أمن وخلل اقتصادي وسياسي، يؤذن للفجر فهل ستسمع الأذان أم لا؟! هل ستخرج إلى المسجد لتصلي مع الجماعة أم لا؟! وإذا خرجت هل ستأمن على أهل بيتك أم لا؟! وهل ستبيت متوسداً سلاحك أم لا؟! وهل ستجد من الذخيرة ما تكفي هذا السلاح أم لا؟! تخيل أنك خرجت من البيت معك سيارتك لو اختل الأمن ربما وجدت الوقود يوماً ويومين وثلاثة ثم تصبح سيارتك كقطعة من الأحجار، هل ستجد أن مصالح الناس في وظيفتك ووظائفهم مستمرة أم لا؟! هل ستجد أن الأرزاق التي تُجْلَب إلى بلادك ستصل أم لا؟! هل ستجد ما تطبخ وتنضج به هذه الأمور أم لا؟! يا إخوان! لما فوجئنا بانقطاع التيار الكهربائي قبل شهر تقريباً أو شهر ونصف، الناس ضاعت حيلهم، الطيب منهم من وجد شمعة يستضيء بها في دهاليز بيته المظلمة.

إذاً ينبغي أن تعلم حجم المخاطر التي تكتنفك من كل جانب، وهذا يحملك مسئولية أن تحفظ بيضة الأمة، إن هناك مسئولية يشترك فيها الحاكم والأمراء والجنود والشرط والعسكر والعلماء والدعاة والعوام والرجال والنساء ألا وهي: مسئولية الوعي الأمني المحافظة على استراتيجية الأمن البعيدة حتى يستمر للناس استقرار دينهم وعبادتهم وصلاتهم وأذانهم وكثير من أحوالهم، فلو اختل على الناس شيء من هذا -لا حول ولا قوة إلا بالله، ومعاذ الله أن يكون ذلك- فلا تسَل عن هَلَكَة القوم وضيق أمورهم ومعاشهم وأرزاقهم.

أقول: إذا شعرنا بحجم هذه المسألة وتصورنا حجم حاجتنا إلى ما نحن نرفل فيه وحاجتنا إلى استمراره، فإن ذلك يحملنا المسئولية إلى أن نتحمس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأجله، من دخل سوق خضار فوجد ألوان الأرزاق والخيرات والناقلات من جميع ثمار البلدان تُجبَى إلى بلدنا هذا فليعلم أن من أهم الأمور التي تضمن استمرار هذه الناقلات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أكبر أمر وأصغر أمر: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] لم يلبسوا إيمانهم بالشرك، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا يمتنع أن يندرج في معنى الآية: الظلم بأنواعه، الظلم العظيم الكبير الذي جاء في معنى قول العبد الصالح: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣] وظلم العباد بعضهم بعضاً بما ينالون من أعراض وأموال ودماء بعضهم البعض وظلم العبد نفسه بالمعاصي والسيئات والكبائر والمنكرات.

إذا أردنا مزيداً من الأمن والطمأنينة فعلينا بمزيد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إذا أردنا مزيداً من تفجر الخيرات من وسط الأرض من بترول وذهب ومعادن: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} [الأعراف:٩٦] فمزيد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إذاً سلامة السفينة من فتنة في داخلها ومن أمواج تتلاطم حولها تكون بالعناية بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر.

كيف تتحطم سفن مجتمعات تحطمت أو هي في سبيلها إلى التدهور والانهيار؟! أيها الأحبة إذا ترك الأمر والنهي تحطمت وضاعت السفن بل حلت اللعنة: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:٧٨ - ٧٩] لأجل أنهم تركوا صمام الأمان، وضيعوا مقود الهداية لهذه السفينة وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حل بهم ما حل مما سمعناه وقرأناه.

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:١٣].

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر:٦ - ١٢] كثر الفساد، ولم يوجد الإنكار، {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:١٣].

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل:١١٢] قد يكون هذا من كفر الجحود وعدم شكر النعم، وربما استخدمت النعم في المعاصي فماذا كان؟ {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢].

قال بعض العلماء: ذُكِر الجوع والخوف في معنى اللباس أي: فُصِّل عليهم الخوف كما تفصَّل الأكمام على الأيدي، والسراويلات على الأرجل، والثياب على الأبدان، فُصِّل الخوف تفصيلاًَ وفُصِّل الجوع تفصيلاً لما ترك أمان الأمة ونجاة السفينة وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولما عجبت عائشة رضي الله عنها كما في الحديث الصحيح عند مسلم وغيره: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يجر إزاره، وقد احمر وجه غضباً، قال: الله أكبر! ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتِح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج إلخ الحديث، فقالت عائشة: يا رسول الله! أنَهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم.

إذا كثر الخبث).

والخبث هو: الزنا ودواعيه، الأفلام، المسلسلات، الأمور التي تجر إلى الاختلاط، الأمور التي تدعو إلى الفواحش، الأمور التي تدعو إلى المعاصي، كل هذه من الأمور الخطرة التي هي سبب هلاك الأمة سبب تحطم السفينة سبب قوة الأمواج التي تكسر هذه السفينة سبب اشتعال الفتن بين أهل السفينة في داخلها، وكما قلت لا يشترط أن تُكْسَر السفينة بموج أو عاصفة تجاه شعاب مرجانية تحطمها، بل ربما تحطمت السفينة وهي على بحر قد ركدت أمواجه؛ نتيجة فتنة وخلاف وشر مستطير بين أهلها ولا حول ولا قوة إلا بالله! ويؤيد هذا المعنى قول الله جل وعلا: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} [الأنعام:٦٥].

حينما تُغْرِق الأمة في المنكرات والمعاصي والضلالة فربما عُذِّبت وعوقبت بأن يضرب بعضها ببعض ويُلْبسوا شيعاً وفرقاً وجماعات شتى، ثم يضلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله ضلالاً بعيداً.

إذاً: فانتشار المنكر، وشيوع الفاحشة وانحصار الخير، من أخطر الأمور التي تهدد الأمة، ليس فقط وجود المنكرات بل إذا وجدت في الأمة ضعفاً في الخير والدعوة والحماس للخير والبذل له فاعلم أنها على خطر؛ لأن القضية لا تقف عند حد معين: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:٣٧] لا يوجد مرحلة بين المرحلتين ومنزلة بين المنزلتين كما عند المعتزلة، لا.

إما أن نتقدم في خير وربما إن لم نحقق التقدم في الخير ربما وقع الإنسان في تراجع إلى المنكر، ولا حول ولا قوة إلا بالله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:٣٧].