للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوات دنياهم عليهم]

أيها الأحبة! إن الله عز وجل مَنَّ علينا بليل ونهار: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [القصص:٧١ - ٧٢].

إن هذا الليل والنهار قد فصل الله فيه الأحوال والأحكام، وجعل الليل سكناً والنهار معاشاً، جعل الليل راحة وطمأنينة وجعل النهار مرتعاً خصباً للأعمال، وبذل الأسباب في طلب الرزق، وإن من اعتاد سهر الليل بدون عبادة أو دون حاجة، فقد خالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، إنه لا يزال -وقد يعد هذا ضربٌ من أضرب الخيال- ولله الحمد والمنة في مجتمعنا هذا أناساً إذا أوى العابثون واللاهثون والغافلون إلى فرشهم، فحينها يعرف أقوامٌ بأنهم انتصبوا في تهجد {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:١٦] يتقلبون على الفرش إذا مضى نصف الليل كما تتقلب الحبة على المقلاة، كأنما الواحد على جمر أو حديدة محمية، ولا يطيب له نوم أو تغمض له عين أو يهدأ له بال، حتى ينهض ويجافي مضجعه ويتوضأ ثم يقبل بوجهه إلى ربه راكعاً ساجداً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، ولله الحمد والمنة إن أناساً لا يزالون في هذا المجتمع وهم بإذن الله بركة لهذه الأمة، وبرحمة الله خير لهذه الأمة، ولولا شيوخٌ وعجائز ركع، وبهائم رتع، وأطفال رضع؛ لأصاب القوم من البلاء ما الله به عليم، ولكن بعد رحمة الله مما يدفع البلاء عن الأمم كثرة الصالحين، والعناية بهذا الأمر.

أيها الأحبة! إن هذا النوم جعل الله فيه من الوظائف العظيمة الشيء الكثير، ولكن الذين يصرون على السهر ويخالفون سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وينامون عن صلاة الفجر مع الجماعة فيصلونها بعد طلوع الشمس: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:٤ - ٥] إنهم لا يتركونها ولكنهم يؤخرونها عن وقتها توعدهم الله بويل وهو عذابٌ شديد.

إن السهر أيها الأحبة يحرم العبد فضائل الصلاة مع الجماعة، وتعلمون أن من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله، وقيام الليل يطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار كما في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

ثم أيها الأحبة! إن في هذا السهر من تعويد النفس على الاهتمام بالسفاسف، والاشتغال بما لا ينفع، وتضييع الخير الكثير الذي جعل بركة للأمة في بكورها ما الله به عليم، هل وجدتم الساهرين يغدون مع الطيور في الصباح الباكر طلباً للبركات والخيرات والأرزاق؟ (بورك لأمتي في بكورها) وفي بداية كل أمر خير، لكن الساهرين يحرمون من هذا.