للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واقع الشباب العلمي]

وأما واقعهم العلمي والتعليمي فليس بمعزل عن واقعهم الاجتماعي والتربوي، بل بعض ذلك يدعو إلى الفساد في البعض كما أن صلاح الجانب التربوي والاجتماعي داعٍ بإذن الله إلى الصلاح والتميز في الجانب العلمي والفكري، فبعض شبابنا في أمر العلم والفكر لا يعدون أبداً ولا يدرون ماذا يدور على أرض الواقع، بل لا يعرفون من هم الأعداء سواء كانوا من القريبين أو البعيدين ولا يعرفون كيف يميزون بين الحق والباطل والخطأ والصواب، وبعضهم لو سألته عن ملة من الملل، أو نحلة من النحل، أو مذهب من المذاهب، أو طائفة من الطوائف، لظن أنها طبخة أو وجبة أو أكلة تباع في المطاعم والبوفيهات، ولا يعرف ما هي أبداً، والسبب أن عزلته الشعورية وأن الشللية التي عاشها مع مجموعة من الشباب جعلته في هذا الوضع لا يعرف شيئاً من أمر الواقع، بل روتينه اليومي طعامه وشرابه وشهوته وشلته، وإذا مسته حبال الحاجة وأصبح يذوق حرارة الحاجة لم يكن عنده ما يؤهله ليتسنم ما يستحق لأجله شيئاً يكرم به، فلا يتردد أن يلتفت ذات اليمين وذات الشمال ليسرق من هذا ويأخذ من هذا ويكذب على هذا ويختلس من هذا ويفعل ما يفعل مع هذا من أجل أن يغطي به احتياجه، وما هي إلا مدة ثم ينكشف أمره وينفضح شأنه ويظهر على حقيقته، إن بعض الشباب قد ودعوا التعليم وداعاً وطلقوه طلاقاً لا رجعة فيه، والسبب أنهم عكفوا طيلة الليالي ليس على طلب القرآن وتفسيره والحديث وفقهه، والتجربة وتطبيقاتها، والنظرية ونتائجها، والمعادلة ورموزها، لا.

إنما سهروا على نحر هذا وصدر هذا وذراع هذه وساق هذه ومن هذه إلى هذه، وعين لا تشبع من نظر:

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

سهروا في الليل على هذه الفضائحيات، فلما جاء الصباح إذا بأجسامهم أثقل من الجدران الساقطة لا يستطيع حراكاً، ولا يستطيع أن يرفع رأسه بل قد دعي إلى ما هو أعظم: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فلم يجب، ثم دعي إلى العلم، فلم يجب، ثم دعي إلى السبب وكسب الرزق، فلم يجب، وظل هذا ديدنه ودأبه وطبعه وهجيراه، لا يفارقه ولا يبرحه إلى أن تمر به السنون ليرى أن من حوله قد سبقوا، وليرى أن الجادين المثابرين المتسابقين قد بلغوا وحمدوا السرى، وعند الصباح حمدوا السرى؛ لأنهم جدوا واجتهدوا، وأما هو فقد أصبح جثة راقدة على فراشه، لم يبد حراكاً، ولم يرفع بالعلم رأسه ولم يشرح بالفقه صدره فأصبح هذا شأنه وهذا حاله، هذا حال طائفة من شبابنا.