للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نبي الله يونس]

لقد بعث الله يونس إلى أهل نينوى من أرض الموصل فدعاهم، ثم دعاهم، ثم دعاهم فكذبوه، ثم دعاهم فتمردوا على كفرهم، ثم دعاهم فأصروا على عنادهم، فلما طال ذلك عليه من بعد أمرهم ونهيهم ودعوتهم، خرج من بين أظهرهم ووعدهم حلول العذاب الذي توعدهم الله به بعد ثلاث، فلما خرج وتجافى عنهم، ورأى قومه تحقق نزول العذاب بهم، قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة والندم في آخر لحظة، بعد سنين طويلة من الدعوة، ومن الأمر والإرشاد، والقيام عليهم وأمرهم ونهيهم، ووعظهم وزجرهم، وبدأت أيام العذاب اليوم الأول، ثم اليوم الثاني، فلما دنت لحظات الحسم وساعة الصفر، وأوشكت نقطة البداية أن تقوم فيهم ليحل فيهم عذاب الله وسخطه، أنزل وقذف في قلوبهم أرحم الراحمين توبةً وإنابةً ورجوعاً، فقذفت هذه التوبة في قلوبهم، فما كان منهم إلا أن ندموا وبادروا وتأسفوا على ما كان منهم حيال نبيهم بعد سؤالهم ربهم المغفرة، فلبسوا المسوح وخرجوا يجأرون، فرَّقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله وصرخوا، وتضرعوا وتمسكنوا، وبكى الرجال والنساء، والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي، فراغت الإبل، وخارت البقر، وثغت الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة، فكشف الله بحوله وقوته، وكشف عنهم برحمته ورأفته العذاب الذي بدأ أسباب اتصاله بهم.