للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوازن في الحكم على الآخرين]

إن مشكلتنا دائماً أننا نريد من يتعامل معنا أن يوافقنا بكل شيء، أنا أعرف رجلاً -ما شاء الله- ثرياً جداً، لكن شيء اسمه شريط إسلامي، يقول: هذا لا اعترف به، لا أعبره، أقول له: قاتلك الله، وكفانا الله شرك، وأنت وأنت إلخ؟ الرجل يبذل ويتفانى في طبع الكتب باللغات الأجنبية التي تدعو الكفار إلى الإسلام، أليست هذه خصلة إيجابية ينبغي أن أحبها في الرجل، وينبغي أن أستغلها فيه؟ نعم.

أم لكونه لا يحب الشريط، أو في ذهنه تصور معين يحتاج ربما إلى أشهر لإصلاح هذا التصور الذي رسخ في ذهنه، ربما تَكَوَّنَ هذا التصور خلال سنوات عدة، أو خلال أشهر، أتريد أن يتغير تصوره في خلال جلسة أو جلستين معك؟ لكن عنده جانب إيجابي، ألا وهو حب طباعة الكتب باللغات الأجنبية من أجل دعوة الكفار إلى الإسلام، أفلا تستغل هذا الجانب؟ بلى والله.

إذاً فيا إخواني: نحن في الحقيقة عندنا الارتجالية، الإنسان إذا قلت له: اتق الله، وقع يبكي ويصبح يعد ذنوبه، ورجعنا على توبة صادقة، وإلا فلا فائدة، لا يا أخي! قد لا يتوب لا في المرة الأولى ولا الثانية، ولا في الثالثة ولا الرابعة، لكن مثلما يقول العوام: الناقوط يخرج الحجر، الناقوط جربه نقطة نقطة ماء، تجد على مر الأيام والأشهر منذ مكان الحجر، يعني النقطة تسقط على هذا المكان في الحجر، فإذا بها قد أحدثت فيه فجوة أو خرقاً، أو مساماً معيناً، فأنت تحتاج إلى هذا التخطيط طويل المدى.

المسألة الأخرى: أيها الأخ الكريم! قد لا تستطيع أن تجعل مجتمعك يخلو من المعاصي والمنكرات لأول وهلة.

لكن كما قال الله جل وعلا: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:٣٣] فقد يوجد من يحاجك ويجادلك في الربا، لا يمكن أن توجد أمة إلا بقوة، ولا قوة إلا ببنوك، ولا بنوك إلا بفوائد، كما يقول الملهم صاحب النظرية الاقتصادية، لكن إذا أنت تتمنى أن الله جل وعلا يبعد عن أمتك وعن بلادك شؤم الربا: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٩] إذا تمنيت هذا ولم يتحقق فإنك تستطيع أن تحقق إثبات خطر الربا في كل مقام، في كل مناسبة، في كل خطبة، في كل منتدى، في كل لقاء، في كل مقالة، استغل كل ما يمكن أن يقع بين يديك؛ مقالة، إذاعة، تلفاز، أي شيء تستطيع من خلاله أن تحذر من خطر هذا الشيء الذي لم تستطع تغييره، ما استطعت أن تغير الربا، هل يعني ذلك أن تسكت، لم تعد تذكر بخطر الربا وشؤمه على الأمة، وأنه لعنة وبوار وهلاك؟ لا.

لابد أن تذكر: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:٣٣] تأتي بالحق وتبينه، وتفسره وتوضحه؛ تبين خطر الربا، خطر الاختلاط، خطر الفواحش، خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا.

إذاً: أيها الأحبة: باختصار: كل واحد منكم يعتبر نفسه الوحيد في الحي، لا تنتظر أن يأتي أحد يطرق الباب يقول: فلان! تعال لكي نبدأ، اعتبر نفسك أنت الوحيد، فإذا اعتبرت هذا الأمر تحركت لكي تدعو جارك، وإذ بجارك يقابلك تحرك ليدعوك، فالتقيت أنت وإياه، والتقيتم بمجموعة شباب، وجلستم في مجلس أسبوعي لكي تخططوا لهذا الحي.

أنا أقول لكل واحد منكم الآن: كم لك سنة وأنت ملتزم؟ أربع سنوات، خمس سنوات، ماذا قدمت للحي الذي أنت فيه؟ هل وزعت على جيرانك أشرطة أو كتيبات؟ هل جمعت أفراد الحي بمناسبة عامة؟ ألسنا نجتمع في العيد؟ أمر ليس غريب، إذا جاء العيد كل واحد منا يأتي بعيده معه، هذا يأتي بقرصان، وهذا بجريش، وهذا بدجاج، وهذا بغنم، وهذا بلحم جزور، وصفوا أصنافاً، وجلس الجيران وكلٌ يذوق من عيد فلان قليلاً، ما المانع أن نجعل لنا عيداً شهرياً؟ واحد يقول: والله فلان ابتدع علينا عيد النيروز، وإلا عيد الفصح، لا.

أقول: لقاء شهري يجمع الجيران في مكان معين، في فناء المسجد، في المكان الفلاني، ويجتمع الجيران، يتحدث بعضهم مع بعض، نفكر ما هي المشاكل التي عندنا، ما هي القضايا التي نواجهها في المجتمع، أطفال الحي ماذا يواجههم، النساء في الحي ماذا خططنا لهن، هل استطعنا أن نرسل كل شهر شريطاً يتعلق بالمرأة، هل رتبنا محاضرة للنساء، نجعل في ليلة من الليالي حراسات على أبواب المسجد، نستأذن باستضافة داعية من الداعيات، ندعو جميع نساء الحي فيحضرن المسجد، وتلقي فلانة محاضرة: ماذا ينبغي على المرأة أن تفعل.

هذه أيها الإخوة! مجالات نحن في غفلة عنها، وأنا أظن كما قلت في بداية المحاضرة أننا إن لم نر الربا يسقط، والاختلاط ينتهي، ومحلات الفيديو تغلق، إذا لم نر هذا فلا نعمل لا.

نريد العمل، من كل مستوى ومن كل لحظة، ومن كل مرحلة، وثقوا بالله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور:٥٥] والله لتجدن الحق مستخلفاً: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} [القصص:٥] وعد ما أنت مستضعف، من باب أولى أن تمكن، ومن باب أولى أن تجد للحق تمكين وقوة وقدرة: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:٥] فلماذا هذا الضعف؟ ولماذا هذا التكاسل؟ لماذا هذا الخور؟ لماذا هذا الجمود أيها الإخوة؟! كل واحد منكم أخاطبه، وكل واحد منكم أشهد الله عليه أنه عرف وعلم وسمع ودرى وخبر، وأشهد الله على كل من سمع هذا الشريط أن يتقي الله في نفسه، وأن يبدأ ولو بخطوة واحدة إلى الأمام، ما أكثر ما جلسنا في المجالس نسب العلمانيين والفساد والمنكرات، وما أندر ما نجد من كل من سب أولئك كلهم يقوم بخطوةٍ إيجابية (لأن توقد شمعةً في الظلام خيرٌ من أن تلعن الظلام ألف مرة).

أسأل الله جل وعلا أن يثبتني وإياكم، أسأل الله أن يثبتنا، أسأل الله أن يثبتنا، أسأل الله أن يثبتنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا، اللهم اقبضنا إليك هداةً مهتدين، راضين مرضيين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم لا تفتنا، اللهم لا تفتنا، اللهم ولا تفتن بنا، ولا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، اللهم توفنا من غير انتكاسة أو ضعف، أو تقلب حال أو حورٍ بعد كور، أو ضلالة بعد استقامة، أو زيغٍ بعد هدى، نسألك اللهم الثبات إلى أن نلقاك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.