للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، التقوى: أن تراقبوا الله في السر والعلانية، وأن تجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، اتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة: كأني بكل مسلم يهتف ويقول: أين هذه العزة التي تتحدث عنها؟ أين هذه العزة التي جاوزت عنان السحب؟ أين هذه العزة التي بلغت علياء السماء؟ نقول: إن العزة في كتاب الله، إن العزة في دين الله، إن العزة في العودة إلى الله، وإن أبسط مثال جزئي على أمر العزة، حينما تكون عزيزاً في نفسك وعلى نفسك، يوم أن تتزين لك معصية من المعاصي، إن كنت ذليلاً قادتك كلمة خفض صوتها، وقادك منظر مبهرج مزيف، وقادتك شهوة بطن وفرج.

وإن كنت عزيزاً في نفسك، فإنك تعلو وتستعلي على نفسك، وعلى شهوة وفتنة ومعصية تزينت وتزخرفت أمامك، فإن من ملك العزة في نفسه، حري أن يكون مالكاً لها على أي مستوى كان، ومن فقد العزة في نفسه فلن يستطيع أن يمنح أمته عزة، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، وإنك لا تجني من الشوك العنب.

إن المعاصي أعظم ذل يلبسه الإنسان نفسه، إن الإصرار على المعصية أعظم ذل يلبسه الإنسان نفسه، فإذا لبس الإنسان ثوب الذلة، فكيف يريد أن يعطي أمته عزة.

يقول أبو عبد الله الحسن البصري: [إنهم وإن هملجت بهم البغال، وطقطقت بهم البراذين، إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه] إن العزة قد تكون في مسلم ثوبه خلق، قد تكون في مسلم لا يملك من متاع الدنيا إلا قليلاً، ولكن:

وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام

فأول مصدر من مصادر العزة: العقيدة الحقة، ويظهر صدق الاعتقاد بهذه العقيدة حينما تعرض على محك الفتن وحرارة الابتلاء، يوم أن هدد شيخ الإسلام ابن تيمية، وأرادوا منه أن يقول ما يريد القوم، قال: ماذا تفعلون بي؟ ظهرت العزة بصدق العقيدة عند حرارة الابتلاء، قال: ماذا تفعلون بي؟ أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة للعبادة، عند ذلك يحير الطواغيت في أعزاء المسلمين، لا يعرفون ماذا يفعلون بهم، يوم أن يروا مسلماً عزيزاً في نفسه، وإن وضع السيف على رقبته، أو سلط الرصاص على صدره، أو جعل اللغم في طريقه، أو وجهت الدبابة إلى وطنه، يوم أن يكون مالكاً للعزة فإنه لا يتردد ولا يتأخر أبداً.