للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحرص على مصاحبة العلماء والحكماء]

إذاً ليس عجباً أن نحذر من جلساء السوء، ليس عجباً أن نحذر من الفساق، ليس عجباً أن ننصح باختيار الصديق الطيب الذي يعينك إذا تذكرت، ويذكرك إذا نسيت، وتجده دائماً صديقاً صدوقاً صادق الوعد منصفاً في معاملته معك، وفي معاملتك معه، هؤلاء هم الجلساء الذي ينبغي أن نختارهم، وينبغي أن نصحبهم، وإني أنصح نفسي وإياكم بمجالسة من هو أعلم منا، ومن هو أرفع منا، ومن هو أكبر شهامةً ورجولةً وكرامةً وعلماً بأخبار الأولين، وأخبار الرجال المتقدمين، وأهل السير؛ حتى نستفيد من طباعهم، ومن مجالستهم، ومن أسلوب حديثهم، إنك لتنظر الشاب في أول وهلة، فتعرف أن أباه شهماً كريماً، أو تعرف أنه من أسرة شهمة وكريمةٍ وذات رجولة، أو تعرف أنه قد تربى مع النساء والبنات، تعرف لأول نظرة حينما تسلم على الشاب، فتجده رجلاً جريئاً قوياً في الكلام مرحباً مهللاً بمن يقابله خلافاً لمن تجده خجلاً منكسراً لا يستطيع أن يرد أدنى الحديث متأثراً بمن جالس.

إذاً فجالسوا الطيبين، جالسوا الأخيار، وأنتم ترون الإنسان حتى في فلتات اللسان تعرف من يجالس، العامي وهو العامي الذي لم يقرأ ولم يكتب، إذا جلست معه، تقول: هذا رجل يجالس العلماء، ولو تقول له: اكتب اسمك على الورقة، ما استطاع أن يكتب، لكن من حديثه تعرف أنه يجالس العلماء، والإنسان وقد يكون متعلماً حينما تتحدث معه، تقول: لا بأس هذا متعلم، لكنه كثيراً ما يجالس السفلة والغوغاء وسوقة الناس، كيف؟ نعرف ذلك من أسلوب حديثه ومن عباراته، لا يستطيع أن يأتي بالحديث على وجهه، ولا يستطيع أن يأتي بالكلام على متمه ومقاصده.

إذاً فالإنسان يتأثر بمن يختلط به، وأنتم -يا شباب هذا المركز- أنتم -أيها الصغار- انتبهوا لأن الأولياء الذين معنا لم يبذلوا جهداً في التوجيه، لكني أحدث الشباب الصغار، وأخصهم بمزيد من النصيحة استفيدوا من المراكز، وخالطوا المدرسين، استفيدوا من الموجهين، من المشرفين: المشرف الثقافي، المشرف الاجتماعي، المشرف على المجال المعين، ولا تجعل جلوسك في المركز وخروجك سواء، أنت دخلت هذا المركز، ماذا استفدت؟ عندك سؤال، اذهب واسأل مدير المركز، اسأل رائد الأسرة، اسأل موجه الأسرة، في ذهنك شيء حتى ولو لم يكن متعلقاً بالمركز، اسأل؛ لأن الجرأة هي سبيل العلم.

قيل لـ ابن عباس وهو ترجمان القرآن الذي مسح صلى الله عليه وسلم على رأسه وكان صغيراً، فقال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، يعني: علمه التفسير، قيل له: كيف نلت هذا العلم؟، قال: [بلسان سئول] لا أتردد، دائماً أسأل، فأنتم أيها الشباب لا يكون الواحد منكم يدخل المركز ويخرج وما استفاد شيئاً، اسأل تتعلم، اسأل عن أي شيء يخطر على بالك، ولو لم يكن أمام عينيك، اسأل، ناقش حتى تخرج بحصيلة علمية، وليس عجباً قد يكون هذا المدرس الذي سألته لا يملك الجواب، وكثيراً ما نسأل عن أشياء ولا نعرف الجواب عليها، لكن نبحث عنها في الكتب، نبحث عنها في المراجع، نطلب من الأستاذ أو الموجه، أو المشرف، نطلب منه أن يبحث عنها وأن يفيدنا، هذه حاجتنا إليكم أيها الشباب أن تشبوا، وأن تنشئوا على مستوىً من الجرأة، وعلى مستوىً من الفهم.

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه

فتعودوا فعالاً طيبةً، وتشبهوا بالرجال الأوائل؛ بالصحابة بـ السلف الصالح بالقادة الفاتحين.

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه، وأسأل الله أن يعصمنا عن ما يسخطه، وأن يجنبنا ما يغضبه، وأن يوفقنا إلى ما يرضيه، وأشكر لإدارة المركز، وأشكر لأولياء الأمور هذا الحضور، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.