للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف الحور العين]

ثم يقول في صفة عرائس الجنة، وحسنهن وجمالهن ولذة وصالهن ومهرهن:

يا من يطوف الكعبة الحصن التي حفت بذاك الحجر والأركان

من قاصرات الطرف لا تبغي سوى محبوبها من سائر الشبان

يا مطلق الطرف المعذب في الأُلى جردن عن حسنٍ وعن إحسان

لا تسبينك صورة من تحتها الد اء الدوي تبوء بالخسران

فانظر مصارع من يليك ومن خلا من قبل من شيبٍ ومن شبان

إن كان قد أعياك خودٌ مثلما تبغي ولم تظفر إلى ذا الآن

فاخطب من الرحمن خوداً ثم قدم مهرها ما دمت ذا إمكان

ذاك النكاح عليك أيسر إن يكن لك نسبة للعلم والإيمان

والله لم تخرج إلى الدنيا للذة عيشها أو للحطام الفاني

لكن خرجت لكي تعد الزاد لـ لأخرى فجئت بأقبح الخسران

أهملت جمع الزاد حتى فات بل فات الذي ألهاك عن ذا الشان

والله لو أن القلوب سليمةٌ لتقطعت أسفاً من الحرمان

لكنها سكرى بحب حياتها الد نيا وسوف تفيق بعد زمان

فاسمع صفات عرائس الجنات ثم اختر لنفسك يا أخا العرفان

حورٌ حسانٌ قد كملن خلائقاً ومحاسناً من أجمل النسوان

حتى يحار الطرف في الحسن الذي قد ألبست فالطرف كالحيران

ويقول لما أن يشاهد حسنها سبحان معطي الحسن والإحسان

والطرف يشرب من كئوس جمالها فتراه مثل الشارب النشوان

كملت خلائقها وأكمل حسنها كالبدر ليل الست بعد ثمان

والشمس تجري في محاسن وجهها والليل تحت ذوائب الأغصان

فتراه يعجب وهو موضع ذاك من ليل وشمس كيف يجتمعان

فيقول سبحان الذي ذا صنعه سبحان متقن صنعة الإنسان

وكلاهما مرآة صاحبه إذا ما شاء يبصر وجهه يريان

فيرى محاسن وجهه في وجهها وترى محاسنها به بعيان

حمرُ الخدود ثغورهن لآلأً سود العيون فواتر الأجفان

والبرق يبدو حين يبسم ثغرها فيضيء سقف القصر بالجدران

ولقد روينا أن برقاً ساطعاً يبدو فيسأل عنه من بجنان

فيقال هذا ضوء ثغرٍ ضاحكٍ في الجنة العليا كما تريان

يلمع برقٌ في الجنة فيسأل أهل الجنة: ما هذا البرق؟ ما هذا الضوء الذي خطف الأبصار؟ فيقال: هذه حورية لواحد من أهل الجنة العليا ابتسمت لزوجها في الجنة، فلمع ذلك البرق أو ظهر ذلك الضوء.

لله لاثم ذلك الثغر الذي في لثمه إدراك كل أمان

ريانة الأعطاف من ماء الشبا ب فغصنها بالماء ذو جريان

لما جرى ماء النعيم بغصنها حمل الثمار كثيرة الألوان

والقدر منها كالقضيب اللدن في حسن القوام كأوسط القضبان

في مغرس كالعاج تحسب أنه عالي النقا أو واحد الكثبان

لا الظهر يلحقها وليس ثديها بلواحق للبطن أو بدوان

لكنهن كواعبٌ ونواهد فثديهن كألطف الرمان

والله جل وعلا يقول: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:٣٣]

والجيد ذو طولٍ وحسنٍ في بيا ض واعتدالٍ ليس ذا نكران

يشكو الحلي بعاده فله مدى الـ أيام وسواسٌ من الهجران

والمعصمان فإن تشأ شبههما بسبيكتين عليهما كفان

كالزبد لين في نعومة ملمسٍ أصداف در دورت بوزان

والصدر متسع على بطنٍ لها حفت به خصران ذات ثمان

وعليه أحسن سرة هي مجمع الـ خصرين قد غارت من الأعكان

حق من العاج استدار وحوله حبات مسكٍ جل ذو الإتقان

قاما بخدمته هو السلطان بيـ نهما وحقٌ طاعة السلطان

ثم استحيا ابن القيم رحمه الله وقال:

وإذا انحدرت رأيت أمراً هائلاً ما للصفات عليه من سلطان

وهو المطاع أميره لا ينثني عنه ولا هو عنده بجبان

وجماعها فهو الشفاء لصبها فالصب منه ليس بالضجران

وإذا يجامعها تعود كما أتت بكراً بغير دمٍ ولا نقصان

فهو الشهي وعضوه لا ينثني جاء الحديث بذا بلا نكران

ولقد روينا أن شغلهم الذي قد جاء في "يس" دون بيان

شغل العروس بعرسه من بعد ما عبثت به الأشواق طول زمان

بالله لا تسأله عن أشغاله تلك الليالي شأنه ذو شان

واضرب لهم مثلاً بصبٍ غاب عن محبوبه في شاسع البلدان

والشوق يزعجه إليه وما له بلقائه سببٌ من الإمكان

وافى إليه بعد طول مغيبه عنه وصار الوصل ذا إمكان

أتلومه إن صار ذا شغلٍ به لا والذي أعطى بلا حسبان

يا رب غفراً قد طغت أقلامنا يا رب معذرة من الطغيان

أقدامها من فضة قد ركبت من فوقها ساقان ملتفان

والساق مثل العاج ملموم يرى مخ العظام وراءه بعيان

والريح مسكٌ والجسوم نواعمٌ واللون كالياقوت والمرجان

وكلامها يسبي العقول بنغمة زادت على الأوتار والعيدان

وهي العروب بشكلها وبدلها وتحببٌ للزوج كل أوان

وهي التي عند الجماع تزيد في حركاتها للعين والأذنان

لطفاً وحسن تبعلٍ وتغنجٍ وتحببٍ تفسير ذي العرفان

يقول الله: {عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:٣٧]

أتراب سنٍ واحدٍ متماثلٍ سن الشباب لأجمل الشبان

بكرٌ فلم يأخذ بكارتها سوى الـ محبوب من إنس ولا من جان

يعطى المجامع قوة المائة التي اجـ ـتمعت لأقوى واحد الإنسان

وأعفهم في هذه الدنيا هو الـ الأقوى هناك لزهده في الفاني

فاجمع قواك لما هناك وغمض الـ عينين واصبر ساعة لزمان

ما ها هنا والله ما يسوى قلا مة ظفر واحدة ترى بجنان

وإذا بدت في حلة من لبسها وتمايلت كتمايل النشوان

تهتز كالغصن الرطيب وحمله ورد وتفاح على رمان

وتبخترت في مشيها ويحق ذا ك لمثلها في جنة الحيوان

ووصائف من خلفها وأمامها وعلى شمائلها وعن أيمان

كالبدر ليلة تمه قد حف في غسق الدجا بكواكب الميزان