للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعوة لصيقة المعاناة]

أيها الإخوة: نقطة أخرى، يظن البعض أن الدعوة تبدأ ومن أول لحظة يرى فيها بنوك الربا تدكدكت على أمها، أي أنه: يظن أنه لم يكن هناك بداية للدعوة، إلا إذا رأى البنوك الشامخة للربا تدكدكت وأصبحت رماداً، وإذا رأى المنكرات كلها قد جابت وانتهت، واضمحلت وتلاشت وفنيت، ومحلات الفيديو والأغاني قد أغلقت وشمعت بالشمع الأحمر، والاختلاط أصبح أبغض ما يكون إلى الناس، والله يا أخي! إذا كنت تظن أنك لن تبدأ بالدعوة إلى الله إلا حينما ننتهي من الربا، وننتهي من الاختلاط ومن الغناء والملاهي، وننتهي من العلمانيين ومن الفساق والفجرة، وأعداء الدعوة الذين يبغضون الحق، فما الحاجة إلى الدعوة أصلاً؟ إن الحاجة تبدأ في هذه الظروف الصعبة التي تجد فيها الربا شامخاً، وتجد فيها الاختلاط يشق طريقه، وتجد فيها الفساد ينخر في المجتمع، وتجد فيها المنافقين يتسللون إلى بصفوف الأمة، حينئذٍ تكون المسئولية أعظم، والواجبات أكبر، والأمانة أخطر، وتتعلق بالأعناق بقدر كل واحدٍ في موقعه ومكانته.

تجد بعضهم يقول: متى يأتي اليوم الذي نجد فيه هذه البنوك كلها أصبحت مصارف إسلامية؟ ومتى يأتي اليوم الذي نجد فيه كل هذه المحلات التي تبيع الملاهي والأفلام الخليعة، وتمارس الترويج للدعارة والزنا والفساد قد انتهت؟ ومتى نجد الاختلاط قد انتهى؟ ومتى ومتى؟ فهو يعيش على هذه الآمال ويعيش على هذه الأماني، لا والله، لسنا بحاجةٍ إلى من يضيع أوقاته وأثمن ساعات حياته التي هي لحظة شبابه، ولحظة حرقته، ولحظة حماسه، لمجرد الآهات والأماني، كلٌ يحسن الآهات:

ولست بمرجعٍ ما فات مني بليت ولا لعل ولا لو اني

لو أني قلت كذا لفعلت كذا، لو أني كنت كذا لفعلت كذا، أو لعل الأمر كذا، أو ليتني فعلت كذا، كلها لا تجدي في الدعوة شيئاً، أنت صادق فشق طريقك برائحةٍ طيبة ولو كان نتنُ النجاسات من حولك، تشق طريقك ولو على خيطٍ رفيع، ولو كانت الأشواك عن يمينك ويسارك، تشق طريقك وأنت ترجو حسن العاقبة والخاتمة من عند الله سبحانه وتعالى، ووالله إن لنا في رسول الله أسوةً حسنة كما قال الله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:٢١] من كان يرجو بعمله أن يلقى الله جل وعلا راضياً عنه {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:٢١] أن يكون يوم تكور الشمس، وتنكدر الجبال وتنفطر السماء، وتسجر البحار وتمد الأرض، من كان يرجو في ذلك اليوم من أهل الكرامة ومجالس النور؛ مع الأنبياء والشهداء، مع الذين هم في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، فليبدأ طريقه منذ هذه الأيام، من هذه اللحظة التي يرى فيها أن الحق والباطل أصبح يعيش مواجهة، لم يعد هناك غزل يعيش في الكواليس أو عمل في الخفاء، لا.

فليبدأ طريقه صريحاً واضحاً ولا يهدأ له بال، ولا تكتحل له عينٌ بنوم، ولا يلذ بطعام وشراب إلا وهو يمارس هذا العمل، ويجتهد فيه بإذن الله سبحانه وتعالى.