للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رد الحق تقليداً للآباء

معاشر المؤمنين! إن منطق الجاهلية وأهلها هو: رد الحق إما لضعف الداعي إليه، أو لفقره، أو لقلة أعوانه وأنصاره، أو لأن أهل الباطل من أهل الجاهلية قد درجوا ومضوا على هذا الباطل وألفوا آباءهم وأجدادهم يفعلونه، وتلكم عقدة مرض كثير من المصرين على الذنوب والمعاصي، وعقدة مرض كثير من المتحمسين للبدع والمخالفات، وعقدة كثير من الذين لا يرغبون إصلاح أنفسهم وأوضاعهم، وهذا مرض قد بينه القرآن في غير ما موضع من كتاب الله، ولو تأمل أولئك المعاندون منطق الحق لعلموا وتيقنوا أن الحق أبلج والباطل لجلج، ولكنه كما قال ربنا عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة:١٧٠] يدعون إلى الله فيأبون، ويحتجون بما ألفوا عليه آباءهم {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة:١٧٠] فأولئك يمتنعون عن قبول الحق بحجة ما درج عليه آباؤهم وأجدادهم.

قال ابن كثير: وإذا قيل لهؤلاء الكفرة: اتبعوا ما أنزل الله على رسوله، واتركوا ما أنتم عليه من الضلال، قالوا: بل نتبع ما ألفينا ووجدنا عليه آباءنا، من عبادة الأصنام والأنداد، فقال ربنا عز وجل منكراً عليهم: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} [البقرة:١٧٠] أي الذين يقتدون ويقتفون أثرهم {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة:١٧٠] يعني: هم يصرون على ما وجدوا عليه الآباء، ولو كان آباؤهم ليس لهم عقلٌ ولا هداية.

ويقول عز وجل أيضاً: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [المائدة:١٠٤] أولئك الذين إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وترك ما حرمه، قالوا: حسبنا ويكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد، أيكفيكم ما وجدتم عليه آباءكم حتى ولو كان آباؤكم لا يعلمون شيئاً ولا يعقلونه ولا يهتدون إليه، فكيف تتبعونه إذاً؟!!