للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معاني العزة في اللغة]

العزة: صفةٌ من أوصاف الله تعالى واسمٌ من أسمائه؛ فهو العزيز، أي: الغالب القوي، وهو المعز الذي يهب العزة لمن يشاء من عباده، وقد تكرر وصف الله بالعزيز في القرآن بما يقارب تسعين مرة، وذكر الخطابي رحمه الله في كتابه" شأن الدعاء " أن العز في كلام العرب على ثلاثة أوجه: الأول: معنى الغلبة والقهر؛ أي: يكون بمعنى نفاسة القدر، يقال: عز الشيء يعز بكسر العين من يعز، فيتأول معنى العزيز على هذا، أنه لا يعادله شيء، وأنه لا مثل له ولا مثيل والله أعلم.

وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى: أن عزة الله عز وجل متضمنةٌ للأنواع السابقة كلها، وهي: عزة القوة الدال عليها من أسمائه القوي المتين، وهو وصفه العظيم الذي لا تنسب إليه قوة المخلوقات وإن عظمت.

الثاني: عزة الامتناع؛ فإنه عز وجل الغني بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضره فيضروه، ولا نفعه فينفعوه، بل هو الضار النافع المعطي المانع سبحانه.

الثالث: عزة القهر والغلبة لكل الكائنات؛ فالله عز وجل غالبٌ على كل شيء، والكائنات مقهورة لله خاضعةٌ لعظمته منقادةٌ لإرادته، فجميع نواصي العباد بيده، لا يتحرك منها متحرك، ولا يتصرف فيها متصرفٌ إلا بحوله وقوته وعزته وإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يقول ابن الجوزي رحمه الله: قال بعض المفسرين: العزة في القرآن على ثلاثة أوجه: الأول: العظمة، ومنه قول الله تعالى: {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} [الشعراء:٤٤] {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:٨٢].

الثاني: المنعة؛ ومنه قوله تعالى: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء:١٣٩].

الثالث: الحمية؛ ومنه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ} [البقرة:٢٠٦] وقول الله عز وجل: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص:٢].

وقد أشار سبحانه في كتابه المجيد أن العزة خلقٌ من أخلاق المؤمنين التي يجب أن يتحلوا بها ويحرصوا عليها، فقال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:٨]، وقال عن عباده الأخيار: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:٥٤]، وقال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح:٢٩] والشدة على الكافرين وعلى أعداء الله تستلزم العزة، قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٣٩] وهذا يقتضي أن يكونوا أعزاء.

وهذه الآية: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا} [آل عمران:١٣٩] تخبرنا وتعلمنا وتبين لنا أن الله عز وجل يعلمنا إباء الضيم، وهو خلقٌ يفيد معنى الاستمساك بالعزة والقوة وعدم الرضا بالمذلة والهوان، وإن كنا ذكرنا أن القرآن كرر لفظة (العزيز) عشرات المرات، وأنه سبحانه يعز من يشاء ويذل من يشاء، وأنه القوي القاهر المتين الجبار، كأنه أراد بذلك وهو أعلم أن يملأ أسماع المؤمنين بحديث العزة والقوة، فإذا ما سيطر عليهم اليقين بعزة ربهم، استشعروا القوة في أنفسهم واعتزوا بمن له الكبرياء وحده في السماوات والأرض، وأبوا الهوان حين يأتيهم من أي مخلوق، وفزعوا إلى واهب القوى والقدر، يرجونه أن يعزهم بعزته، وكأن الله عز وجل قد أراد أن يؤكد هذا المعنى في نفوس عباده حين جعل كلمة "الله أكبر" تتردد كل يومٍ في أذان الصلاة مراتٍ ومرات، وتترد أثناء الصلاة وفي التكبيرات والانتقالات، ونرددها في الصلوات كل يوم نشعر بذلك أن الكبرياء لله وحده، وأن عباده يلزمهم أن يلتمسوا العزة والقوة من لدنه، وأن يستوهبوا العزة من حماه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} [فاطر:١٠] {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:٢٦].

ربنا خالقنا يريد أن يهدينا إلى الطريق الذي يصون لنا عزتنا وكرامتنا، ربنا يريد لنا أن نبقى محصنين دون الرضا بالهوان، أو السكوت على الضيم، فأمرنا بالاستعداد والإعداد والتقوى بحفظ الكرامة والذود عن العزة، فقال لنا مولانا عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:٦٠].

نعم! القوة هي التي تجعل صاحبها في موضع الهيبة والاقتدار فلا تطأه الأقدام.

كن قوياً يحترم بين عربٍ وعجم