للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمن في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم]

أيها الأحبة: لقد كان الناس في زمنٍ مضى وإلى يومنا هذا لا يأمنون على دينهم، فإن كنا في أمنٍ على ديننا كما نرى ونشاهد اليوم فلنحمد الله على هذه النعمة، ولنحافظ عليها، وإن الأمة لا تزال بخير ما دامت عزيزةً بدينها، رافعةً رأسها به، مظهرة لشعائرها، لا تخاف في ذلك أحداً أبداً.

لقد ابتلي بهذا الأمن حتى الصحابة رضوان الله عليهم.

عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الرجل قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) أخرجه البخاري.

جاء خباب وكان النبي صلى الله عليه وسلم متوسداً بردةً في ظل الكعبة، فجاء خباب وكشف عن ظهره ليري رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار الكي، نفطات من قيح ودمٍ وصديد على جلده، كانت سيدته تعذبه ويشكو إلى رسول الله ما لقي، فقال له صلى الله عليه وسلم هذا: (كان الرجل قبلكم يحفر له في الأرض، فينشر بالمنشار فيشق باثنتين ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه) بل لقد جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وقالوا: يا رسول الله! أحدنا لا ينام إلا وسلاحه تحت رأسه، لا يبول إلا وسلاحه على كتفه، متى نأمن؟ متى نصر الله؟: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف:١١٠] {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:١٤٢].

أيها الأحبة: لقد مس النبي وأصحابه البأساء والضراء وزلزلوا زلزالاً شديداً، كانوا على خوف في أمر دينهم، مكثوا زمناً في مكة لا يصلون إلا خفية، ولا يلتقون إلا خفية حتى أعز الله دينه بـ الفاروق، بالإمام الأواب شهيد المحراب عمر بن الخطاب، فلما آمن واعتز بإيمانه الدين ذهب إلى قريش وقال: [يا معشر قريش! أما تعلمون أني آمنت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال أبو جهل: حاشاك ذلك يا بن الخطاب، فقال: بل هو ما سمعت يا عدو الله! ثم عاد إليهم وقال: إني مهاجرٌ هذا اليوم سالك بطن هذا الوادي، فمن أراد أن تثكله أمه فليلحقني وراء هذا الوادي] هجرةٍ علنية وتحدٍ بقوةٍ إيمانية: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير).

أمة الإسلام وخير البرية عاشوا صوراً من الخوف على دينهم وعلى معتقدهم وعلى ملتهم، بل كان صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ويرفع يديه في غزوة بدر ويلح على الله حتى سقط رداؤه عن عاتقه، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول له: (يا رسول الله! كفاك منشادتك ربك، إن الله منجزك ما وعدك، والرسول يقول والدمع يتحدر على وجنيته الشريفة: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم أبداً).

يا عباد الله: الأمن على الدين الأمن على العبادة الأمن على الملة الأمن على الصلاة الأمن على العقيدة من أعظم صور الأمن ودرجات الأمن، فحافظوا على ذلك وانتبهوا إليه.