للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجهاد لا ينتهي بموت أحد]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله: هل انتهى الجهاد بموت عزام؟ أو هل انتهى الجهاد بمقتل ضياء الحق؟ ولو استشهد قادة الجهاد، لو استشهد سياف أو جميل الرحمن، أو رباني أو حكمتيار أو أي من قادة الجهاد، لو استشهدوا جميعاً في لحظة واحدة، أو في يوم واحد -يا عباد الله- لو استشهد هؤلاء هل ينتهي الجهاد؟ لا والله، الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، وإن الذي بعث للجهاد عبد الله عزام لهو بأمره ومشيئته ورحمته قادر على أن يبعث ألف عزام مثله، فنسألك اللهم أن تظهر من شباب المسلمين من يكون على مستوى هذا الرجل أو أفضل منه، لكي يقدم ما يجب عليه تجاه المجاهدين، وإن أرحام النساء ما عقمت أن تنجب مثله.

إن الله جل وعلا علمنا شريعة ماضية وسنة كونية، يوم أن تكلم الصحابة رضوان الله عليهم، وأشيع في معركة أحد أن النبي مات، كان لذلك أثر في قلوب بعض الصحابة، فقال الله جل وعلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:١٤٤] لا والله، لم ولن ينقلب الصحابة والمؤمنون على أعقابهم، ثم لا والله لم ولن ينقلب الشباب على أعقابهم بعد استشهاد عزام، أو بعد استشهاد قادة الجهاد، فكل ماضٍ إلى ما يرضي الله جل وعلا، وكلٌ سائر بأمر الله جل وعلا، ولكن -يا عباد الله- الأمر الذي بقي هو أن عزاماً مات ودفن في قبره، ومازالت صحائف حسناته مفتوحة، تكتب ملائكة الحسنات أعماله، والله إن آلاف المسلمين لم يعرفوا كفالة الأيتام إلا منه، ولم يعرفوا كفالة الشهداء إلا منه، ولم يعرفوا كفالة المعوقين إلا منه، وما التزموا وتحمسوا للبذل والجهاد إلا بفضل الله ثم بفضل خطبه، كل ذلك بفضل الله ثم بخطبه ورسائله ومجلة الجهاد التي كان ملفها في جيبه، مصبحاً وممسياً ماضياً آيباً، مرتحلاً مقيماً في كل مكان ترى معه ملف هذه المجلة، لكي يكتب لي ولك وللخامس والعاشر، ليكتب للمسلمين أجمعين، عن أخبار إخوانه المجاهدين، فهذا رجل مات، ولكن لا زالت حسناته ماضية، وشتان بين رجل يموت كهذا وآخر لا دور له في الجهاد ولا في الدعوة ولا في النفع.

وميت ضجت الدنيا عليه وآخر لا تحس له أنيناً

والناس ألف منهم كواحدٍ وواحد كالألف إن أمر عنا

كان رحمه الله عن أمة، كان رحمه الله عن ألف وآلاف مؤلفة، لا أقول هذا غلواً فيه، ولا أقول هذا مبالغة، ولا أقول هذا إطراءً في المديح، فإن الرجل أفضى إلى ربه ولو كان حياً ما تكلمت فيه على منبر، لكنه أفضى إلى ربه، وإذا كان ولا بد فالكلام في الأحياء فتنة، لكن الكلام في الأموات إظهار لمآثرهم ومناقبهم ومحاسنهم، وأقول: قفوا يا أيها المستمعون، قفوا، وأنصتوا إن أناساً تكلموا في عرضه، وإن أناساً نالوا من سمعته، وإن أناساً لفقوا عليه الأقاويل، وتكلموا في صاحبه الشيخ تميم العدناني، إما بشريط، أو بمقالة، أو بكتيب، أو برسالة، فأقول: إن كان هدفهم النصيحة فما هكذا تورد الإبل -أيها الإخوة في الله- هلا ذهبتم إليه في بيته ونصحتموه إن كنتم ترون شيئاً يستحق النصيحة، لكن الرجل أفضى إلى ربه، فأين لكم أن تقفوا معه أو تجلسوا معه لتقولوا: سامحنا وحللنا وأبحنا فيما نشرناه عنك؟! أو سجلناه عليك، أو قلناه فيك؟! أيستطيع أحد أن يناجيه أو يكلمه عند قبره، لا والله سيقف من تكلم فيه مع عزام رحمه الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، سيقفون عند رب لا يجور، وعند رب لا يظلم، وميزان لا شطط فيه، ليكون القصاص وليكون القضاء فمن الحسنات أو السيئات.

لكني أقول لمن وقع في عرض هذا الرجل أكثروا من الاستغفار له، واسألوا الله له العفو والمغفرة، فلعل ذلك أن يكون سبباً للمغفرة والتوبة عليكم.

أيها الأحبة في الله: ينبغي أن يكون من شباب أمة الإسلام من يسد هذا الثغر، ينبغي أن يكون من بينكم يا شباب الإسلام من يقوم بهذه المنزلة، وهذه المكانة، فلا تحتقروا أنفسكم أنتم أبناء فطرة، من أرض هي مهبط الرسالة، ومكان تجديد العقيدة، فالله الله لا يثبطنكم الشيطان، أو يحقر من شأنكم، فو الله ثم والله -بمشيئة الله وفضله ومنه- ليكونن على أيديكم خير عظيم في الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم تكون بعد ذلك في سجل الخالدين المرموقين الذين يموتون ومازالت معالمهم شامخة، وقممهم باسقة، وشخصياتهم قائمة:

إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه

وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه

وموت فتىً كثير الجود محل فإن بقاءه خصب ونعمه

وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمه

وموت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمه

فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه

وباقي الخلق هم همج رعاع وفي إيجادهم لله حكمه

فكونوا من الذين يبكى عليكم بعد موتهم، كونوا من الذين يذكرون بالخير، كونوا ممن تبقى صحائف حسناتهم مفتوحة تنورها الملائكة بالحسنات، تنورها الملائكة بالصالحات ولو كنتم في قبوركم.

أسأل الله أن يعفو عنا وعنه، وأن يجمعنا به في جنته، وأن يعفو عمن نال من عرضه، وأن يتجاوز عنهم، وأن يوفق الجميع إلى ما يحبه ويرضاه، ونسأله بحفظه وبعزته التي لا تضام، وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظنا ويحفظ ولاة أمرنا، وعلماءنا وقادة الجهاد في كل مكان.

اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم تب عليهم توبة صادقة، اللهم وفقهم للتوبة النصوح، اللهم اجعلهم خير الشباب لأمتهم، وخير الرجال لأوطانهم، وخير النفوس لأهلهم وزوجاتهم ووالديهم وأولادهم، برحمتك يا رب العالمين! اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغث قلوبنا، اللهم أغث قلوبنا، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد برحمتك يا رب العالمين! اللهم استعملنا بطاعتك، اللهم استعملنا بطاعتك، اللهم استعملنا في طاعتك، وثبتنا على دينك وتوفنا على ما يرضيك، اللهم لا تقبضنا على خزي، اللهم لا تقبضنا على معصية، اللهم توفنا ركعاً سجداً، مجاهدين مصلين، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، اللهم صل وسلم على محمد وآله وصحبه.