للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العرب بين الإسلام والبعث]

إن العرب ليسوا بشيء ما لم يكونوا بالإسلام؛ فإن قاموا في الإسلام فهم وغيرهم من أمم العالم شرقيه وغربيه يتنافسون في هذا الدين وكلاً ينال حظه منه.

أليس البخاري من بخارى؟ أليس أبو داود من سجستان؟ أليس الترمذي من ترمذ؟ أليس علماء الإسلام كلهم من مختلف بلاد العالم؟ ما الذي رفعهم: هل رفع البخاري أنه عربي؟ هو من بخارى، هل رفع الترمذي لأنه عربي؟ هو من ترمذ، هل رفع مسلم بن الحجاج أنه عربي؟ بل هو من نيسابور، إذاً ما الذي رفعهم؟ رفعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أراد أن يرفع في العرب راية القومية فرايته فاشلة، وهذه الراية يا عباد الله سبق وأن صفقت لها سذج الجماهير وبسطاء الناس أيام جمال عبد الناصر وما ذلك علينا ببعيد، قام الناس يريدون أن يجعلوا للأمة زعامة عربية يجتمعون باسم العربية، وينضوون تحت لواء العرب، وتجمعهم الرابطة العربية، ولكن حتى هذه الرابطة العربية تنقسم أقساماً فيما بينها، فالمصريون وهم عرب يختلفون فيما بينهم هؤلاء عرب من هذه وهذه، فالعراقيون وهم عرب يختلفون فيما بينهم، والنجديون وهم عرب ينقسمون فيما بينهم، واليمنيون وهم عرب ينقسمون ويتفرقون فيما بينهم؛ إذاً فرابطة العربية رابطة لا تنضبط ولا يمكن أن ينضوي تحت لوائها ولو عشرة أشخاص؛ لأن كل واحدٍ منهم ينزع إلى قبيلة.

فإذا كنت تتفاضل على هؤلاء بأنك عربي فالعرب بعضهم قد يرفعونها عصبية فيتفاضلون فيما بينهم بقبائلهم، والقبيلة الواحدة يرفعونها عربية فيختلفون فيما بينهم بتفاضل أفخاذهم على بعض، والفخذ الواحد يتنازعون فيما بينهم بتفاضل كل أسرة وعائلة على بعض.

إذاً: فالعربية ليست رابطة، إنما الرابطة الإسلام، إن الذين يطبلون وينعقون في هذه الإذاعات البعثية يريدون أن يجمعوا الأمة تحت لواء العرب هذا لواء فاشل، هذا لواء مدحور، هذا لواء مستهلك أراد عبد الناصر أن يجمع العرب به ففشل، وانكشفت أطماعه، وأخزاه الله، وولى إلى قدر الله نسأل الله أن يجازيه شر ما جزى طاغية في فعله، ألم يعذب المسلمين وهم عرب؟ ألم يقتل الإخوان المسلمين؟ ألم يشنقهم في السجون؟ ألم ينصب لهم ساحات الإعدام؟ ومع ذلك ما نفعهم أنهم عرب بين يديه؛ إلا أن حقيقة الأمر تعود إلى حقد الإلحاد وإلى بغضائه وكراهيته في العقيدة.

فينبغي -يا معاشر المؤمنين- حينما نقع في مصيبة من المصائب ألا نفزع لكي نسمع التحليل الاخباري من إذاعة لندن أو نسمع إذاعة مونتكارلو أو أي إذاعة بل نفزع إلى كتاب الله، ماذا يقول الله جل وعلا؟ {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} [النساء:٨٣] لو أن كل حدث نرده إلى كتاب الله وسنة رسول الله لعلمه الذين يستنبطون الفقه ويعرفون أحكام الشريعة لا أن نصدق ما تقوله الإذاعات، وحسب مسلم جهلاً وغفلة وبلاهة وسخافة أن يأخذ الفكر من هذه الإذاعات.

إن الإذاعات التي تطنطن وتطبل من هذه الأحزاب الضالة والله ما تبني في مسلم شهامة، ولا ترفع فيه كرامة، ولا تجعل له من الدين آية أو راية هذه حقيقة البعث حزب علماني، فصل الدين عن الدولة، لا مكانة للقرآن والسنة فيه، حزب قومي يجمع العرب أياً كانوا يهوداً أو نصارى أو مجوساً أو دروزاً أو بعثيين المهم أنهم عرب، حزب الاشتراكي لا بد أن تنتزع رصيدك الذي في البنك وأقسمه فيما بيني وبينك وأنت يا من تملك السيارتين لا بد أن تقسم بيني وبينك هذه مزاعمهم، وهذه أفكارهم، فهل بعد هذا يظن مسلم أن هذه العناصر التي يرفعها هذا الحزب ليست معقولة فعلاً فضلاً أن تطبق واقعاً، لا يمكن أن نتصور أن نستطيع أن نجمع أمة على رباط علماني قومي اشتراكي.

أليست لبنان أريد لها أن تكون دولة اللبنانيين أجمع بما فيهم الدروز، وبما فيهم المليشيات المسيحية، وبما فيهم النصرانية وبما فيهم مختلف الطوائف؟ هل استطاعت لبنان أن تجمع دولة واحدة تحت جنسيات وعقائد مختلفة؟ لا؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال:٣٩] لأن الفتنة في بقاء هذه المذاهب، وفي مدى بقاء هذه الجنسيات، وفي بقاء هذه الأحزاب والتيارات: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:٣٩] حينما يكون الدين لله، والحكم لله، والأمر لله، والتشريع لله، حينئذٍ تستقر الأمة، أما أن يراد لأمة من الأمم أن تكون دولة وتحتها أحزاب مختلفة وترفع شعارات متباينة، تريد أن تجمع الناس خليطاً مزعجاً مشتركاً من العقائد والمذاهب والتيارات؛ هذا لا يمكن أن يتحقق تخيلاً فضلاً أن يطبق واقعاً.