للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب تأخر الغيث]

معاشر المسلمين: لا شك أنكم خرجتم من بيوتكم تشكون إلى الله تأخر الغيث، واحتباس المطر، فوالله ما هذا إلا بذنوبنا قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءاً غَدَقاً} [الجن:١٦] والله ما تأخر ذلك إلا بالذنوب والمعاصي، والفواحش والآثام، والبدع والمنكرات.

أنعجب من تأخر الغيث واحتباس المطر، وصلاة الفجر لا تشهد من المسلمين إلا عدداً يسيراً، ونزراً قليلاً من الرجال، وبقيتهم يتقلبون في فرشهم غافلين عن دعاة الفلاح، وأصوات المآذن، لا يجيبون داعي الله! أفيهم مرض! أفيهم مصيبة! ألا يخافون أن يهلكهم الله بإعراضهم عن ندائه؟! عباد الله: هجر بعض المسلمين الصلاة مع الجماعة، ورأوا أن الصلاة مع الجماعة لا تفارق شيئاً عن الصلاة في البيوت، وبذلك عطلوا بيوت الله التي: {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:٣٦ - ٣٧].

معاشر المؤمنين: أتعجبون من عدم نزول المطر، وبعض المسلمين يُسَوِّفُ في أداء الزكاة ودفعها، ولا يؤديها في وقتها، وبعضهم لا يخرج إلا أخبث ماله، وبعضهم لا يخرجها بالكلية، ويستكثر أن يُخرج ربع العشر من ماله، أو النصاب المقدر من الفضل الذي تفضل الله عليه به! معاشر المؤمنين: ألا تشهدون قطيعة للأرحام؟! ألا ترون عقوقاً للوالدَين؟! ألا ترون سباباً وفسوقاً وشتائم؟! ألا ترون قلة ذكر لله؟! ألا ترون إعراضاً عن طاعة الله؟! أتعجبون من تأخر الغيث وقد تساهل كثير من الناس بالربا؟! تجده يصوم ويصلي ويشهد الصلاة مع الجماعة؛ لكن لا يتورع أن يودع المال بـ (٤%) أو بـ (٥%) أو بـ (٧%) في أي بنك من البنوك! من الذي أحل له هذه الفائدة؟! كيف تجرأ واستحل هذه الفائدة، بل هذه اللعنة؟! كيف يجرؤ مسلم على لعنة يشرب بها، ويأكل بها، ويلبس بها، ويتصدق بها -ولا يقبل الله صدقة من ذلك- ويفعل بها من الأمور ما يكون سبباً ووبالاً في هلاكه؟ معاشر المؤمنين: أتعجبون من تأخر الغيث وقد انتهك كثير من المسلمين المحرمات، وتساهلوا بالزنا، وسافر كثير من شباب المسلمين إلى الخارج ولم يبالوا، ولم يراقبوا الله ولم يخشوه، ووقعوا في المعاصي والفجور والبلاء؟! نسأل الله لهم الهداية.

عباد الله! أتعجبون من تأخر نزول الغيث، ونحن نرى بداية الاختلاط في بعض المجالات! ونرى تساهلاً في الحجاب! ونرى سفوراً في الأسواق والمستشفيات والطرقات؟! بل إن بعض السافرات المتبرجات قد قوي لها من الشوكة ما لا نعلم سببه، ولا نعرف مصدره، حتى إنك إذا قلت: تستري، أو احتجبي، قالت: وما لك وما لي، وهل أنت ولي أمري، أو مسئول عليَّ؟! ما الذي رفع الشوكة، وأطال الطائلة لهذه المرأة التي قالت هذا الكلام؟! أترونه إلا ما شاهدته في الأفلام والمسلسلات، علَّمها سنين طويلة؟! وقد رأت من هذه المشاهد التي جرَّأتها على كسر الحياء واقتحام الحشمة، وجعلها تخرج عن هذه الدائرة، التي كانت عفيفة لطيفة فيها.

أتعجبون من تأخر الغيث -يا عباد الله- وكثير من المسلمين لا يخشون الله، ولا يراقبونه في مكسبهم، وأكلوا بعض المال بالباطل؟! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:٤١] ويقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:٩٦] وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠] جاء في سنن ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: (كنتُ عاشر عشرة رهط المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال: يا معشر المهاجرين! خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتُلُوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال إلا ابتُلُوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلاطين، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء؛ ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا خَفَر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم).

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: [إن الحَبارى لتموت في أوكارها هُزالى من ظلم الظالم].

وقال مجاهد: [إن البهائم تلعن عُصاة بني آدم إذا اشتدت السنة، وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية بني آدم].

أتعجبون -يا عباد الله- من تأخر القطر واحتباس الغيث والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يظنه بعضُهم موقوفاً على عدد من رجال الحسبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).

بعض المسلمين يرى المنكرات، ويرى المعصية التي يُعصى بها الله جهاراً نهاراً، وكأنه لم يرَ شيئاً من المعاصي والمنكرات.

أين تغير القلوب؟! أين فوران الدماء؟! أين الحمية للدين؟! أين الشيمة والغيرة والإباء؟! أين ضاعت هذه المعاني؟! أين ضاعت تلك الأمور؟! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!