للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإبادة بالقتل]

إذا لم يستطع عدوك أن يبيدك إبادة كاملة، سواءً كانت إبادة بعد زمن طويل كحرص الشيطان أن يبيد الإنسان في نار جهنم، أو كحرص أعدائك مثل اليهود والنصارى الذين لا يرضون عن أحد أبداً حتى يتبع ملتهم، وسواء قالوا لكم: تعالوا على مائدة الوحدة الوطنية، أو تعالوا -أي: اليهود والنصارى- ننفي الخلافات التي بيننا، ولا يبغض أحدٌ أحداً، أنتم اعبدوا ما تشاءون، والنصارى يعبدون ما يشاءون، والمسلمون يعبدون ما يشاءون، ولا أحد يمد يده على أحد، ولا أحد في الصحيفة ينتقد أحداً، ولا أحد في المجلة ينتقد أحداً، نريد أن نعيش السلام والوئام والحب واللقاء هذا كلام لا ينفع عند اليهود، قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠]، فهؤلاء الأعداء كما قال تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران:١١٩ - ١٢٠]، العدو من أهدافه الأولى: الإبادة النهائية، وصورة من صور العداوات ما يحصل الآن لإخوانكم في يوغسلافيا في جمهورية البوسنة والهرسك في العاصمة سراييفو على يد الجيش الاتحادي والصربيين النصارى الأرثوذكس الذين هم الآن على قدم وساق، يقتلون ويذبحون ويشردون، وقد تأكد لدى هيئة الإغاثة الإسلامية أن عدد الضحايا حتى الآن واحد وعشرون ألف مسلم، ما بين طفل وطفلة وعجوز، وكهل كبير، ورجل وامرأة، وفتى وفتاة، واحد وعشرون ألفاً! يا إخوان: والله لو سافر أحدكم من الرياض إلى القويعية، ومشى ورأى عشرة مذبوحين بعد عشرة كيلو، وبعد عشرين كيلو رأى عشرة آخرين، وبعد ثلاثين كيلو رأى عشرة آخرين، حتى وصل الرياض، كان مجموع المذبوحين ثلاثين رجلاً، سوف يصيبك جنون تلك الليلة، ولا تستطيع أن تنام، وأنت تتخيل خمسة رجال وخمس نساء مذبوحين، وثلاثة رجال مقتولين، وهؤلاء مطعونون، وهؤلاء ممثل بهم، وهؤلاء مكبلون، وعليهم آثار الاغتصاب والبلاء والمصيبة، وأيضاً كانت نهايتهم إزهاق أرواحهم يأتيك جنون، فما بالك بواحد وعشرين ألفاً!! تخيل ملء هذا المسجد أكثر من ثلاثين مرة تقريباً مقتولين!! جاء الصربيون في الليلة الأخيرة من رمضان، وأول اثنين خرجوا من المسجد ذبحوهم ذبح الشاة على عتبة المسجد، ثم دخلوا وأطلقوا النار في المسجد، وهرب الناس، فأخذوا يرمون بالقنابل حتى الذي يريد أن يهرب لا يصل إلى الباب، ومات خلق عظيم، والدماء تفوح وتفور، والناس كالغنم التي لم تذكَّ، ترفس في المسجد، ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذا مقطوع وبقي فيه نخاع، وهذا مذبوح وبقي فيه عرق، وهذا مذبوح وبقي فيه عصب، الناس كالمجازر، ثم بعد ذلك دخل الصربيون وأخذوا يتبولون على الجثث، ثم بعد ذلك أخذوا يكشفون عورات المسلمين، ويأخذ السكين أو خلف البندقية ويخط على ظهر المسلم صليباً، يجرد المسلم من ثيابه ويخط على ظهره صليباً! يا إخوان: أي عداوة بعد هذا؟! هل هناك عداوة أشد من هذا؟! لا والله.

إن ديننا الحنيف دين عظيم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قرآنه دستوره، قد أوصانا نبينا فيه أن إذا قتلنا كافراً ألا نمثل به فقال صلى الله عليه وسلم: (وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) رحمة حتى في قتل القاتل! رحمة حتى في إزهاق روح المؤذي! الخلاصة أن هؤلاء الأعداء هدفهم بالدرجة الأولى الإبادة، وحينما يأتي علماني، أو فيلسوف، أو خريج هارفارد، أو خريج السربون، أو خريج متشيجن، أو كلورادو، ولا أقول كل خريج، لكن يأتيك إنسان متخرج من هناك، ويضع يداً على يد، أو يضع الشماغ على هذه الطريقة، ويقول: يا أخي! يا متشددون يا مطاوعة يا معقدون! تتوقعون أن الغرب لا يزال يعيش بعقليات البربر وهمجية الوحوش القديمة؟! لا يا أخي، الغرب تطوروا الآن، أصبحوا يتعاملون بالرمز، والاختزال، والشفرة، والنداء، والكود، عالم راقٍ جداً، أنتم لا تزالون تتصورون أن الغرب يذبح وينحر ويقتل، ما هذا التخلف عندكم؟! ونقول لكل من مدح الغرب يوماً، أو أثنى على حضارة الغرب يوماً: انظر ماذا أنتجته حضارة الغرب، من أعلى درجات الرحمة التي بلغت خط الصليب على ظهر المقتول! وقطع ذكر المقتول ووضعه في فمه كما حصل في ذلك المسجد في سراييفو! ويدخل على الرجل من قبل شباب الصرب، فيجدونه مع أولاده، فيربطونه ثم يجردون زوجته، ويفعلون بها وهو ينظر، ثم ينظرون إلى أبيه ويجعلون وجهه مسرحاً لأقدامهم يركلون خده وأنفه بأقدامهم وأحذيتهم.

العداوة هدفها الأول هدف إبادة، وأما ما نسمع من بعض الجرائد والمجلات الوافدة أننا ننتظر الوحدة في مجتمع تظلنا فيه سماءٌ واحدة، ونشرب فيه من نهر واحد، ويعيش الجميع على مائدة الوحدة الوطنية، فهذه مسخرة! قرأت ذات مرة في أكثر من مجلة وجريدة أن احتفالاً أقيم يجمع رجال الصليب البابا شنودة ورجال الدين -المفتي والشيخ- ورجال الفكر والسياسة والإعلام في يوم الوحدة الوطنية في إفطار جماعي ضم عدداً في يوم مشهود، افتتح بآيات من كتاب الله جل وعلا، وبماذا افتتح؟ افتتح بقول الله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:٧١]؟ هل افتتح بقول الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣]؟ هل افتتح بقول الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:٨٩]؟ الشاهد أن العداوة، وبالذات عداوة الدين، فإن من عاداك في دينك، فاعرف أن غايته إبادتك، قال الله جل وعلا: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة:٨]، فبين أن من قاتلك في الدين، وعاداك في الدين هدفه عداوتك، ولكن من لم يعادك في الدين {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:٨]، من المنقطعين في الأديرة والصوامع، وغيرهم من الذين ما رفعوا سلاحاً في وجه المسلمين، وقبلوا بالجزية والذلة والصغار، أما ونحن الضعفاء وندعي أننا على وفاق ووئام مع أعدائنا فلا

كل العداوات قد ترجى مودتها إلا مودة من عاداك في الدين