للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعراض قسوة القلب]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجو بها النجاة يوم القيامة {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

معاشر المؤمنين: آفات هذا الزمان وأمراض هذا العصر كثيرةٌ لا تحصى، فمنها ما هو على الأبدان، ومنها ما هو على القلوب والأديان، والآخر أشد فتكاً وخطراً.

عباد الله: من هذه الآفات وتلك الأمراض مرضٌ خطيرٌ جداً يجعل الإنسان أصمَّ وأعمى وأبكم من الجمادات، فيا ترى ما هو هذا المرض؟ إنه قسوة القلوب؛ مرض قسوة القلب، لا يكاد أحدٌ يسلم منه إلا ما قل وندر من الصالحين المخبتين المخلصين.

معاشر المؤمنين: قد يقول البعض: وما هي أعراض هذا المرض حتى نتعرف عليه؟ شخص لنا صفته؟ أقول أيها الإخوة: قد يكون العليل بهذا الداء أبلغ في وصفه، وقد نكون جميعا ً أو بعضنا ممن يعانون هذا الداء، وما أجمل الحقيقة والصراحة يا عباد الله! أعراض هذا المرض: أعينٌ لا تدمع، وقلوبٌ لا تخشع، وأبدانٌ لا تشكر؛ يقرأ الواحد منا صفحات تلو الصفحات من كتاب الله جل وعلا فلا يقف وقفةً تنهمر من عينه دمعةٌ أو دمعات خشيةً من كلام الله وبليغ خطابه، بل قد نرى مشاهد كثيرة تهد الجبال الراسيات، ثم نحن بعد هذا نمر بها ضاحكين غير مبالين ولا مستشعرين، أليس هذا مرضاً خطيراً؟ أليس هذا وجعاً فتاكاً؟ بلى يا عباد الله! وإنه إن استمر بعبدٍ من عباد الله، ضيع عليه دنياه وآخرته.

معاشر المؤمنين: إن كتاب الله جل وعلا لو أنزل على صخرٍ أصم لتفتت ذلك الصخر خشيةً لله، وهيبة لبليغ خطابه، فما بال قلوبنا جامدة قاسية أمام كلام الله، قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [الحشر:٢١] فعسى ألا تكون قلوبنا كمن قال الله فيهم: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:٧٤].

عباد الله: إن آيات الله تتجلى علينا كل صباح ومساء، فهل من وقفة تأمل؟ فهل من وقفة تدبر؟ هل من وقفة هيبةٍ واستشعار؟ {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:١٤٣].

معاشر المؤمنين: إن آيات الله جل وعلا تتجلى أمام أعيننا صباح مساء، فما لهذه القلوب لا تتغير؟! ما لهذه القلوب لا تتحرك سويداؤها؟! ولا تتحرك مشاعرها؟! إننا إذاً مرضى، إننا مصابون، فهلمّ لننظر هذا المرض، وهلمّ لنتدبر أحوالنا، فإن أحوج الناس إلى العلاج من عرف داء نفسه وعرف دواءها، فيلزمه المبادرة في علاجها.