للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من رحمة الله مناداة المسرفين بـ (يا عبادي)]

فيا أحبابنا الجنة قريبة لنا، والجنة تفتح أبوابها صباح مساء، والتوبة أبوابها مفتوحة والغني ينادي الفقراء، العزيز ينادي الأذلاء، والقوي ينادي الضعفاء: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:٥٣] الذنوب جميعاً: اللواط، الزنا، المخدرات، المسكرات، الأفلام، المجلات، الملاهي، كل هذه إن نتب إلى الله توبة صادقة يغفرها الله جميعاً، بعض الناس يظن أن المغفرة تتناول أو تقبل النظرة والغلطة واللمسة والهمسة والقبلة والضمة فقط، أما الزنا واللواط والمخدرات والربا والفواحش فهذه كبائر لا يغفرها الله، لا.

الله جل وعلا ما نادى المذنبين ما قال: أيها المذنبون! بل حببهم إلى نفسه وقال: (يا عبادي) وكلمة (عبد) حينما يسمي الله عبداً من عباده أو خلقاً من خلقه بلفظ العبد فهو نداء التحبيب والتقريب والتشريف، قال الله جل وعلا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:١] وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَاب} [الكهف:١] وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله).

الله جل وعلا ينادينا نحن المذنبين المفرطين المسرفين، وينادي معنا الذين زنوا، والذين فعلوا اللواط، والذين أكلوا الربا، والذين اقترفوا المكس، والذين نشروا الملاهي، والذين فعلوا، الذي يتوب منهم توبة نصوحاً بشروطها يغفر الله له: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزمر:٥٣] ما قال: أذنبوا فقط، بل أسرفوا وبالغوا في الذنوب: {أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣] (وأنيبوا) نريد إنابة! نحتاج إلى استجابة: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:٢٤].

وهذا نداءٌ فيه بشارة وبعده تحذير: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:٢٤] لأن الله ما دعانا ليشق علينا، وإنما دعانا لكي يحيينا ويسعدنا وينفعنا ويجعل الطمأنينة في قلوبنا، وإن لم نستجب، وإن لم نتب؟ فإن ذلك يعني أن الإنسان قد يحال بينه وبين قلبه، ويصبح كالذي أصيب بحالة إدمانٍ لا يمكن معها الشفاء إلا برحمة الله جل وعلا.

أرجو ألا يقول سامعٌ: إنني في حالة إدمان ولست من الذين يشفون، لا.

أنت الآن بإمكانك الشفاء، والطريق بين يديك، وباب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها أو أن روحك بلغت الحلقوم وأصبحت في حال الغرغرة فحينئذٍ تنتهي القضية، لكن لا شك أن الذين يتوبون من قريب خيرٌ من الذين يتوبون من بعيد، الذي يتوب بعد فاحشة واحدة أقرب إلى الله من الذي يتوب بعد عشر فواحش، والذي يتوب إلى الله بعد ذنب أقرب إلى الله منه بعد كبيرة، والذي يتوب إلى الله بعد كبيرة أقرب إلى الله من الذي يتوب إلى الله بعد كبائر، وكل الناس قربهم من الله بحسب تقواهم، وبحسب إخباتهم إلى الله جل وعلا، المهم أن نعرف أن ديننا يدعونا إلى الخير، ويقربنا إلى الجنة، ويفتح لنا أبواب السعادة

عطايانا سحائب مرسلات ولكن ما وجدنا السائلينا

وكل طريقنا نورٌ وعزٌ ولكن ما رأينا السالكينا