للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقوق الوالدين]

ومن الأمور المحبطة أيضاً: عقوق الوالدين يا عباد الله! عقوق الوالدين الذي بلغ في هذا الزمان حداً كنا نقرؤه كالأساطير والخرافات، أما الآن فقد أصبح عقوق الوالدين عند بعض المسلمين أمراً ملموساً، وواقعاً حسياً، وأمراً مشهوداً.

ألا فليعلم العاقُّون، القاطعون لوالدِيهم، الهاجرون لأمهاتهم وآبائهم، فليعلموا أن العقوق من أعظم الأسباب التي تحبط الأعمال، وأن الله لا يقبل من العاق عملاً، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً: عاق، ومنَّان، ومكذب بالقدر).

فانظروا كيف قدم العقوق على هذه جميعاً، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال قال: (الإيمان بالله، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) فقدم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله.

أيها الأحبة! لستُ بهذا المقام مفصلاً في شأن أحوال الناس عن العقوق؛ ولعلنا أن نفردهم في مناسبة قادمة؛ لكن أنقل لكم قصة ممن أدركها وأحسها، ومن لسانه إلى أذني هذه، قال: إن شاباً تزوج فتاة، وكان أبوه عنده، وكان كبيراً مسناً طاعناً في السن، فأنِفَت زوجة الشاب هذا أن تخدم أباه، وقالت: لا أقعد عندك حتى تخرج هذا العجوز من البيت، فأطاعها وعقَّ أباه، فقبل منها وعقَّ بوالده، فما كان منه إلا أن قال: سنخرج يا أبتي إلى مكان ما، فطيب أباه وغسله، وكأنه يكفنه ويحنطه، ثم ألبسه، وذهب به إلى دار العجزة، وألقاه عندهم، وقد كان أبوه في تلك الحالة في حالة مرض لا يفيق ولا يدري ما يُفعل به، فلما أفاق في تلك الدار، قال: أين أنا؟ وفي أي مكان؟ وأين ولدي؟ قالوا: جيء بك إلى هنا، أنت في عِداد أولئك العجزة الذين لا مأوى ولا راعي لهم، قال: حسناً، اذهبوا بي إلى مكان كذا وكذا، فذهب إلى محكمة عدل، ووكَّل صديقاً له، وباع بيته الذي يسكنه الولد والزوجة، فلما جاء المشتري قال للولد: اخرج، ليس هذا بيتك، قال: كيف؟! قال: هذا بيت أبيك، وقد وكلني على بيعه، وقد بِيع البيتُ وشُري، ولا مكان لك في هذا البيت.

فانظروا يا عباد الله لو حدثكم أحدٌ بهذا لقلتم: من الأساطير والخرافات؛ لكنها وقعت في هذا الزمان؛ لكنها حصلت في هذا الدهر المعاصر.

فيا عباد الله! كيف بلغ العقوق بأبناء المسلمين لآبائهم وأمهاتهم؟! من ذا الذي يتهاون بشأن أمه وأبيه؟! الجنة تحت أقدام الأمهات، الآباء والأمهات بابان من أبواب الجنة، فمن شاء فليلزم، ومن شاء فليترك.

وفي الأثر: [إذا ماتت أم العبد نادى منادٍِ من السماء: ماتت التي كنا نكرمك لأجلها، فاعمل صالحاً تُكرم به].

فانظروا -يا عباد الله- شأن الناس في هذا الزمان مع العقوق والقطيعة، وليس هذا مقام التفصيل.