للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أن الزمان لا يتغير ولكن نحن نتغير]

كذلك أيها الأحبة نعلم أن حديثنا عن الأمس واليوم لا يتناول الزمان:

والليل فاعلم والنهار كلاهما أرواحنا فيها تعد وتحسب

الليل والنهار منذ زمن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أربعة وعشرون ساعة، واليوم يتراوح طوله وقصره بين الليل والنهار، هل زاد النهار في هذا الزمان وقصر في ذلك الزمان؟ لا، الزمان هو هو كما كان.

واعلموا كذلك أن صفات أهل الزمان الخلقية الأصلية كما كانت في ذلك الزمان هي موجودة أيضاً في هذا الزمان؛ كي تقوم الحجة علينا.

إن الصحابة كان لهم عينان وأنف واحد ويدان ورجلان، ولكل واحد منكم عينان ويدان ورجلان وأنف واحد لم يتميز ذلك التاريخ السابق، أو الأمس الذي نتحدث عنه، لم يتميز بأن أصحابه كانوا أولو عشرات الأعين ونحن ليس لنا إلا عينين فقط، لا، بل اتفقنا معهم أعيننا كأعينهم، وأنوفنا كأنوفهم، وأبصارنا كأبصارهم، وأقدامنا كأقدامهم، وأيدينا كأيديهم.

إذاً ما الخلاف؟ اختلفت البصائر: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦].

والذين حينما تحدثهم عن واقعهم، أو انحراف أو تساهل أو ضعف في سلوكهم وتمسكهم بدينهم، وتهاون بالغيرة في حرمات الله وأوامر الله ومناهي الله جل وعلا، قام يحدثك ويقلب لك الأمر ويفرقع الأصابع: ذاك زمان مضى وهذا زمان اختلف، لا.

أرى حللاً تصان على أناس وأخلاقاً تداس فلا تصان

يقولون الزمان به فساد وهم فسدوا وما فسد الزمان

نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا

وقد نهجو الزمان بغير جرم ولو نطق الزمان بنا هجانا

فيا أحبتي في الله! ينبغي أن نعلم أننا يوم أن نتحدث عن الأمس واليوم، أننا نتحدث عما جنت واجترحت وفعلت واكتسبت أنفسنا وجوارحنا، أما السنن فإنها لم تتغير أبداً.

هذا الكلام أقوله لكي لا يزداد بعدنا عن الزمان الأول وإغراقنا في الزمان الآخر، ولكي نتمسك بما كان عليه الصدر الأول: (أفلا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي).

مهما كانت البشرية في القرن الخامس عشر الهجري أو العشرين -بعد أيام قليلة ندخل في عام ألف وأربعمائة وأحد عشر- أو لو بلغنا عام ألف وتسعمائة أو ألفين للهجرة فإن عام ألفين للهجرة لا يعني أن نتهاون بحرف واحد من كتاب الله جل وعلا، مهما تقدمنا وتطورنا ومضت بنا العصور والأزمنة فإن ذلك لا يغنينا ولا يجعلنا في غنىً عن آية واحدة من كتاب الله، فضلاً عن كتاب الله كله، لماذا؟ لأن السنة واحدة، والسنة باقية، وسنة الله في هذا الكون لا تتبدل ولا تتحول، أراد الله لهذا الدين أن يكون خاتماً ومهيمناً على سائر الأديان والرسالات إلى يوم القيامة، فكانت معجزة الدين خاتمة ومهيمنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.