للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جوانب طاعة الوالدين وأهمية برهما]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: يا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى بمراقبة أمره، وفعل كل ما أمر، اتقوا الله تعالى بالبعد عما عنه نهى وزجر.

معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً} [الإسراء:٢٣ - ٢٥].

معاشر المؤمنين: إن الله جل وعلا أمر عباده بتوحيده وعبادته، وقرن ذلك ببر الوالدين كما قرن شكرهما بشكره سبحانه وتعالى، حيث يقول في كتابه الكريم: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:١٤] فحق الوالدين والبر بهما عظيم جداً، وحسبكم أن يكون في أوائل الأعمال المحبوبة إلى الله جل وعلا، فقد روى البخاري (أنه صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) فانظروا كيف قدم البر بهما على الجهاد في سبيله.

ومن محض حق الوالدين الذي ينبغي ألا يتساهل به أحد منا معاشر الأحباب، هو ألا نكون سبباً لأن نعرضهما أو نتعرض لهما بالإساءة والعقوق، أو أن نعرضهما للسب والشتيمة، فإن ذلك من الكبائر التي ثبتت في السنة النبوية، ولقد جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم! يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه) ومن المؤسف حقاً أن تسمع شتيمة الرجل لأم الرجل وأبيه في كثير من الأحيان على ألسنة البعض هداهم الله إلى التوفيق والسداد.

معاشر المؤمنين: إن الإنسان مهما كان في خصومة مع غيره من الناس ينبغي ألا يتعرض لوالديه بسب أو شتيمة، والكثير من الناس إذا تشاجر مع رجل آخر بدأ بشتيمة أمه وأبيه، فيقول: فعل الله بأمك، وفعل الله بأبيك، أو يابن الفاعل ويابن الفاعلة وأمه وأبوه قد يكونان في القبور، فيكون بذلك قد سب مسلماً في قبره، وعدوه أو خصمه الذي يتشاجر معه أمامه لم يتعرض لشيء من هذا -ولا ينبغي أن يتعرض باللعن أو الشتيمة على خصمه- ولكن المصيبة إن تعدت من هذا الخصم إلى والديه.

عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم والترمذي.

والأحاديث في الزجر عن عقوق الوالدين وأن ذلك من الكبائر كثيرة جداً -يا عباد الله- ويكفي أن نعلم أن عقوقهما كبيرة تكون سبباً لحرمان المسلم من التوفيق وتكفير السيئات؛ لأن الله جل وعلا يقول: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:٣١] فكيف تكفر سيئات من أصر على عقوق والديه، أو شتم أمه وأباه متناسياً حقوقهما عياذاً بالله من ذلك؟!