للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المخرج من شؤم المعاصي]

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما يرضى ربنا جل وعلا، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.

معاشر المؤمنين! كلنا نقع في الذنوب والمعاصي، ولا يسلم أحدٌ من صغير أو كبير على اختلافٍ وتباينٍ فمستقل ومستكثر، فمن الناس من يظلم نفسه ظلماً تكفره الصلوات والعبادات والأعمال الصالحات، يقول الله جل وعلا: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما ظلم العبد نفسه بصغائر الذنوب والمعاصي من غير إصرار، فذلك تكفره آيتا النجم والنساء، بقول الله جل وعلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:٣١] وبقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:٣٢] فمن أذنب ذنباً من الصغائر وأعقبه استغفاراً وعبادة وحسناتٍ ماحية للسيئات، فحري أن يعفى عنه.

واعلموا أيضاً -يا عباد الله- أن الذنب لا ينسى، وأن الديان لا يموت، وأن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، ويتساهل الكثير منا مع إصراره على مجموعٍ من الصغائر والكبائر وهو يرى نعم الله عليه تترا، ويرى من نفسه إصراراً واستمراراً على الذنوب، يرى أن ليس للذنوب شؤمٌ ولا عاقبة، وكما قال ابن القيم رحمه الله: يزعم بعضهم أن هذا على حد قول القائل:

إذا لم يغبر حائطٌ في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبارُ

وقد نسي الكثير أن شؤم المعصية يدرك العبد ولو بعد أربعين سنة، إلا من تاب إلى الله توبة صادقة.

معاشر المؤمنين! ما المخرج من شؤم المعصية؟ ما المخرج من شؤم الكبيرة؟ ما المخرج من شؤم الذنب؟ أيبقى الذنب وصمة -كما يراه النصارى- وصمة باقية لا تزول إلا بدم المسيح المخلص على حد خزعبلاتهم وهرطقاتهم؟! لا والله، المخرج من شؤم الذنب والمخرج من بلاء المعصية هو التوبة الصادقة، التوبة النصوح، وكلنا ندعي التوبة وما أكثر ما نتوب فنعود، وما أكثر ما نعاهد فننكث، وما أكثر ما نعاهد الله على ترك أمرٍ فنعود إليه أسرع ما نكون، ما أحلم الله عنا، إن الله غفور حليم.