للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العبرة من حادثة غزو صدام للكويت]

واعلموا يا معاشر المسلمين: أن الأمة ما لم تستفد من هذه الحادثة درساً وعبرة وآية عظيمة فمتى تعتبر إذاً؟ متى نعتبر إذا لم نعتبر بالمسلمين ولما حصل لإخواننا وجيراننا، واعلموا أنها ليست الأولى، إن ما فعل بالكويتيين فعل بالأفغان نقطة نقطة دقة بدقة.

والله إن ما فعل بالكويتيين فعل بالأفغان، أخرجوا من ديارهم، وقتلوا، وشردوا، وحملت بناتنا، ورمين عرايا من على الطائرات، وعلق الأطفال في أغصان الشجر، وسلخوا كما تسلخ الشياه، وتسلخ فروة الرأس من الجمجمة ألوان من التعذيب، في منطقة من مناطق بنشير في الشمال فيها خمسمائة مسلم دكدكتها الطائرات وانتهت وليس لها وجود أبداً.

إن ما يفعل بـ الكويت سبق وأن فعل بـ أفغانستان وفعل بالمسلمين السنة في لبنان، ولكن هل نعتبر يا معاشر المسلمين؟! مع أننا على أمل وثقة بالله أن الله جل وعلا سيرفع هذا العدوان، وستعود الكويت لأهلها ولأبنائها ورجالها، وعسى الله أن يجعلها بعد ذلك دار عز وتحكيم لكتاب الله وسنة نبيه ووحدة على كتاب الله وسنة نبيه لإعلاء الدين والأمة.

معاشر المسلمين! إن ما حل بالمسلمين بـ الكويت لا يمكن أن ينساه التاريخ وسيبقى في سجل التاريخ مدوناً حرفاً حرفاً، فصلاً فصلاً، مشهداً مشهداً؛ لأن الناس أصبحوا يشكون هل هم في حلم أم في يقظة، إن منهم من يقول: هل أنا الآن في أحلام على فراش أم أنا في يقظة أتعامل مع الأحداث وأنا حي يقظ؛ من شدة الهول والفاجعة في مرارة المأساة.

وهذه أمثلة ورأيتم عبر الشاشات والتلفاز والإذاعات وسمعتم ما حصل وما ذكره إخواننا نسأل الله أن يفرج وأن يرفع البلاء عنهم: سيارة خرجت في ثمانية عشر شخصاً، رب أسرة مع أسرته وأولاده وبناته يتوجه فراراً بعرضه -لأنهم بدءوا بالأعراض قبل الأموال- وبدينه وبنفسه وما الذي حدث؟ وجد المنافذ الحدودية مغلقة، فسلكوا الطرق البرية فتعثرت السيارة في الرمال، ولم يكن حولهم من يسعفهم حتى جاء رجال الإغاثة؛ فوجدوا من في السيارة ما بين طفل وأم وبنت قد ماتوا ثمانية عشر ماتوا من الجوع.

وليسوا وحدهم يا عباد الله! بل الذين ماتوا كثير لكن هذه الحادثة مات بها أقوام من العطش والجوع في الرمال بسبب من؟ ولوجه من؟ ولأجل من؟ ولمصلحة من؟ لهذه النزوات البعثية الحاقدة على الإسلام والمسلمين.

وما حال المسلمين في تلك اللحظات، اجتاحوا وفي المستشفيات نساء يلدن؟ يعانين آلام الطلق والولادة، اجتاحوا المدينة وفي المستشفيات من المعوقين والمشلولين والذين هم في غيبوبة الذاكرة أخرجوهم ورموا بهم في الطرقات والشوارع منهم من مات في مكانه، ومنهم من جاء من يسعفه لأجل من؟ ولوجه من؟ وفي سبيل من؟ هذا سؤال لا يوجد له جواب أبداً في هذه اللحظات، هناك من كانوا يغسلون موتاهم، هناك من كانوا يدفنون موتاهم، هناك من كانوا يشهدون جنائزهم، مصيبة لا تعدلها مصيبة، أناس قد أمسوا آمنين فأصبحوا مشردين، أناس أمسوا أغنياء فأصبحوا فقراء، أمسوا مجتمعين وأصبحوا مشردين، كل هذا لمن؟ لا تجد جواباً إلا أنه إشباع لهذه النزوات التوسعية البعثية الحاقدة على الإسلام والمسلمين.

والآن في هذه المدينة مزارع خاوية ليس فيها إلا الهزال من الشياه والماعز، وفيها قصور تعبث بها الريح وتصفر في ردهاتها وجنباتها، لماذا شردوا أهلها؟ لماذا طردوا عنها؟ لوجه من؟ ولمصلحة من؟ كلها مصيبة من أعظم المصائب.

ومما يدلكم على أنه عدوان مادي توسعي حاقد: أن أحد إخواننا من رجال الإغاثة قابل أسرة كويتية ملطخة بالدماء، فقال: ما الذي بكم؟ قالوا: كان معنا رجل ومعه ساعة ثمينة، فقال الجندي الحاقد: أعطيني الساعة، فرفض أن يسلمها له؛ ففتح الرشاش على جسمه وصدره، ثم تناثر دمه حتى لطخنا كما ترى والحال هذه، كل هذا لا تجد له جواباً إلا أن أولئك اجتمعوا على الكفر والباطل، ونحن يا أمة الإسلام ينبغي أن نجتمع على راية التوحيد وكلمة الإيمان.

إن ما حل لم يحل بالكويتيين وحدهم بل حل بالمسلمين أيضاً قبلهم، ومع ذلك فهل نعتبر؟ هل نجد من هذا عبرة؟