للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال المسلمين في ألبانيا]

أيها المسلمون! ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم؟! ألم يأن لكم أن تلين أفئدتكم؟! أفئدة من حجر! ألا يكلف المرء نفسه تحريك جفنيه وفتح عينيه، ليرى صرعى البؤس والتشريد وضحايا الظلم والعدوان والفاقة ماثلين أمامه في غير ما سبيل، ألا يرى ذلك فتأخذه بهم رحمة الإنسان؟ كيف يستطيع أن يهنأ صاحب الترف واللذات بطعامه وشرابه؟! بل كيف يُدلل صبيانه وبناته؟! وكيف يضاحك عياله؟! ويمازح أهله؟! وهو يرى في كوسوفا صبيةً مثل عياله أبرياء ما جنوا ذنباً، أطهارٌ ما كسبت أيديهم إثماً، أفيكون من العدل أو من الإخوة ألا تبالي بهم! وألا تذكر حالهم عند نومك أو يقظتك أو طعامك أو شرابك أو اجتماعك بأهلك وأولادك؟!! يبكون من الحيف ويتلمظون من الجوع! أفلا يهزنا ما نسمعه عن نساءٍ وصبايا في ألبانيا كاللآلئ المكنونة والدرر المصونة، ولغت فيها الكلاب الصربية الآثمة، وطالتها الأيادي المجرمة، أولا ينظر المرء إلى بلاد إخوانه في الديانة، تحت سيطرة الصرب والنصارى الحاقدين:

وطفلة ما رأتها الشمس إذ بزغت كأنما هي ياقوتُ ومرجانُ

يقودها العلج للمكروه مكرهةً والعين باكيةٌ والقلبُ حيرانُ

لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ

قالها الرندي لما سقطت الأندلس وأعيد قولها فيما فعله الشيوعيون في أفغانستان، وفيما فعله الروس في كثيرٍ من البلدان، وفيما فعله الصرب في البوسنة، ونرددها الآن فيما يفعله الصرب في أرض البلقان، وفي كوسوفا على وجه الخصوص، لقد سالت حممٌ من القنابل والشظايا، وامتلأت بلادهم جثثاً وغدت أباطح، وتهجر المسلمون من منازلهم وعيشهم إلى هجرةٍ نحو الحدود وسفوح الجبال.

أولا ينظر المسلمُ إلى كوسوفا ومن خرج منها من ساكنيها فراراً حيث لم تعد دوراً ولا منازل، وإنما صارت جيفاً وأشلاء، يقف المسلم الألباني أمامها مشدوداً، لسان حاله يقول:

سقوف بيوتي صرنَ أرضاً أدوسها وحيطان داري ركعٌ وسجودُ

تصور أخي المسلم! تخيل أنك مكان هذا الأب المفجوع بأهله، وأن زوجتك مكان هذه الألبانية في معسكرات الصرب والاعتقال، أو مع اللاجئين والمشردين، تخيل نفسك مكانهم، تخيل أولادك وذريتك المكسورة الجناح تنهشهم أفاعي البشر، وتفتك بهم ذئاب الكفر، هل تطيق أن تتخيل أن تدور عليهم رحى الأيام والأيام قُلّب! فيصبحون لا حول لهم ولا قوة، يطمع فيهم الطامع، وما من نصيرٍ لهم ولا مدافع إلا من رحم الله، فما بالك بمن يعيش هذا البلاء كله، الذي أنت لا تطيق أن تتخيله، وهم يعيشونه ويرونه عين اليقين وعلموا به علم اليقين، ويعيشونه حق اليقين!! أخي المسلم! وتأمل حال هؤلاء المهاجرين، امرأةٌ حُبلى تضع ولدها في طريق الفرار، وطفلٌ يئن لا يجدون له قطرة حليب، ورجلٌ عجوزٌ شيخٌ كبير لا تستطيع رجلاه أن تحمله فيبقى في جحيم المأساة، جحيم الهرب وجحيم الرصاص والنار، ثم إذا تجمعوا على أرضٍ هي الفراش، وتحت سماءٍ هي الغطاء، وأخذوا يتناهشون خبزةً أو لقمةً أو كساءً أو غطاءً.

البرد لا يزال قارساً هناك، والظروف في غاية الصعوبة، وأصبحوا لا ترى على عيونهم إلا دموعاً يسحونها من مآقيهم على خدودهم:

ضج الأنين من الأنين وطغت تباريح السنين

وازْوّر وجه الحق يخـ ـجل من نواح المسلمين

والأم تعصر ثديها ألماً على هذا الجنين

والزوجة الثكلى ترقرق دمعها دمعاً حزين

والشيخ ملَّ الانتظارَ على طوابير الطحين

جاء المنصر والمبشر لا يمل ولا يلين

ويباع أطفال العقيدة في المزاد بكل حين

ونظل نلهو لا نبالي أن نكون العابثين

ما الذي يحدث لإخواننا؟! وما الذي يجري الآن على تلك الحدود في تلك المنطقة؟! ما الذي أصابنا وما الذي حل بنا من موت الشعور وانعدام الإحساس؟! أيها الأحبة! إن الواجب الذي أمر الله به وشرعه رسوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١] و (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) إن هذا الواجب يملي علينا وجوباً لا خيار فيه، وفرضاً لا تردد فيه، أن نُقدم كل ما نملكه من مساعدةٍ ومعونةٍ بالدعاء أولاً وبالمال والنقد والجهد والفكر والاقتراح والسعي وبكل ما استطعنا ثانياً.

إننا أيها الأحبة! على خطرٍ إن ظللنا نتفرج على مآسي المسلمين هكذا، إن الذين يتفرجون على كربات المسلمين وهم قادرون أن يغيثوهم والله سيدفعون الغرامة ضعفين، إما عاجلاً أو آجلاً، وإننا مأمورون أن نبذل حتى لا يحل البلاء بساحتنا أو قريباً منا، فتُكسر البيضة ويضيع الأمن والأمان فسنة الله الكونية ومطارقه الربانية لا تجامل أحداً.

أيها الأحبة في الله! كلنا شركاء في هذا الهم، وكلنا إخوة تجمعنا هذه العقيدة الواحدة، وعلينا أيها الأحبة! أن ننهض من هذه الغفلة وكثير من شبابنا اليوم لا زال في غفلته ولهوه، وكثيرٌ من النساء لا زلن في غفلاتهن، وإننا نقولها بصراحة: لا يكفي الحسبلة والحوقلة فقط، وهي وإن كانت دعاءً من أول الأدعية فإن الله قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ} [الأنفال:٦٠] نريد أن يتعدى الأمر إلى أكبر من ذلك، إلى العمل والتحرك لعمل ما يمكن عمله، من الدعم والنصرة المادية.

فيا أيها الأحبة! يقول تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:١٩٥] والله وبالله وتالله! لو أنفق المسلمون على إخوانهم المهاجرين واللاجئين والمستضعفين في كوسوفا ربع ما سينفقونه في رحلات الصيف والسياحة في أوروبا، لحققوا كثيراً، واليوم يومٌ مبارك، فأروا الله من أنفسكم خيراً.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.