للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شباب عرفوا حقيقة الطريق]

في سنة من السنوات في شهر رمضان جاء إلي شاب عليه سيماء الصلاح والاستقامة، فتعرفت عليه وقال: أنا كنت مع المطرب الفلاني المشهور، كنت أسافر معه ونحيي السهرات في القاهرة، وذات يوم سافرنا جميعاً، فشرب المطرب الكبير عند قومه وأتباعه ومعجبيه فلم يستطع أن يحيي السهرة تلك الليلة، ثم رشح مكانه ولسان حاله يقول:

خلت الديار فساد غير مسود

فتقدم بين القوم، وأخذ يعزف ويغني، قال: وفي لحظة وأنا أنظر إلى الناس من حولي وأقول: ماذا يغني عني هؤلاء؟ ماذا ينفعني هؤلاء؟ ماذا يقدم لي هؤلاء؟ قال: فاقشعرت نفسي وتوجست خيفة، وأنكرت نفسي من نفسي وحالي من حالي، فضلاً عن إنكاري لمن حولي، قال: فعدت، ومنَّ الله جل وعلا عليه بالهداية.

فأقوام بلغوا قمة الأشواط في الفن والرياضة والنجومية واللموع في أمور شتى فعادوا؛ لأنهم وجدوها أشغالاً بلا مهمة، عادوا وتركوا ذلك كله لأنهم لم يجدوا شيئاً: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:٨١] وجدوا هذا الفن كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماءً، وجدوا هذا الفن وهذه الشهرة كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، وأحد النجوم لما أصيبت قدمه، وما عادت رجلاً ذهبية كسالف عهدها في الرياضة، ومحاورة الفرق، ومباراة اللاعبين، رمي في بيته، ولم يعرفه بعد ذلك اليوم إلا من أحبه في الله بعد توبته وداوم على زيارته وصداقته.

أيها الأحبة: هؤلاء بعض الذين عرفوا حقيقة الطريق، اشتغلوا بالفن واللهو، والرياضة، والجلوس، والشرب، والسفر، وأنواع المعاصي، فعادوا مستسلمين قد نكسوا الراية، وألقوا السلاح، وانقادوا إلى الحق، وقالوا: نحن نذرٌ لكم، ونحن نقول: لن تجدوا وراء هذا شيئاً يذكر، إنما هي انشغالات بلا مهمة.

والعجب -أيها الأحبة- وقد صرح بذلك بعضهم، يقول: نحن نتعب ونعد الممثل والممثلة، ونبني لهم المسارح، ونوزع الدعاية، ونحث الجماهير، وندعو الصحفيين، ونعطي الأموال، ونأتي بالخبراء ليضللوا الجماهير، وفي نهاية الأمر نفاجأ أن الممثل يتوب ويترك المسرحية، ونفاجأ بأن الممثلة تتحجب وتترك السهرة، وبأن النجمة الفلانية تابت وتحجبت، وتركت هذا كله، نعدها لتضل الآخرين فإذا بها تهتدي، نعم، قد رأت الحق: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:١٨].

أيها الأحبة في الله: إنها انشغالات مؤلمة أن نجد هؤلاء الشباب مشتغلين، ويقر بنفسه أنه مشغول بلعب كرة القدم، ولو قلت له: تفضل هذه صفارة اشتغل بها، لقال: أنا جاهل تعطيني لعبة أشتغل بها، يرضى أن يشتغل بلعبة، وفي المقابل يناقض نفسه أن يشتغل بلعبة من نوع آخر، لأنه قد غسل دماغه إلى حد ما، فرأى أن هذه لعبة جديرة بأن يُشتغل بها، لسنا بهذا نحرم الرياضة، أو أن يمارس المسلم رياضة أياً كان نوعها ما لم تكن محرمة في ذاتها، أو تفضي إلى حرام بحدودها في ضوابط وقتها وأدائها، ولكن اعلم أنها لعبة، فليست جديرة بأن تأخذ اهتمامك، وما نفعك أو ضرك إن فاز هذا على هذا، أو قتل الحارس في المرمى بضربة بين فكية، أو مات شهيداً -ولا يكون شهيداً- أو مات عند هذه البوابة، القضية بالنسبة لك لا تعني شيئاً، يظن بعض الشباب أن القضية بالنسبة له مؤلمة.

ثم إن الفنان ما خرج له الشريط، أو أنه لم يجد له شريطه، وتجد بعض المتابعين المتشددين لبعض هذه المواقف يضرب أخماساً بأسداس، وربما خبط وضرب ما حوله بيد غليظة من شدة تأثره عندما ضيعت الفرصة.