للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اغتنم خمساً قبل خمس

أيها الأحبة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغتنم خمسا ًقبل خمس) وقد قال النبي اغتنم؛ لأن الغنيمة أمر يفوت إذا لم تبادره بالسعي، هل الغنيمة في المعارك؟ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء} [الأنفال:٤١] الغنيمة تحتاج إلى كر وفر وسعي وإقدام وإقبال وعناية وحرص وتجاهد عدواً حتى تقتله وتهلكه وتفوز بالغنيمة بعده، فكذلك الغنائم الخمس يبينها لنا صلى الله عليه وسلم بقوله: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) رواه البيهقي عن ابن عباس والحديث صحيح.

فكم من عبدٍ وكم من شابٍ وكم من رجلٍ وكم من امرأةٍ الآن هم قادرون على المسارعة إلى الخيرات، قادرون على التوبة والإنابة، قادرون على العمل الصالح، وهم الآن عنها قاعدون، وذلك والله عين الغبن؛ لأن الغبن الذي يغبن فيه الناس اليوم هو غبنٌ في الصحة والفراغ، قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ) أما الصحة فتضيع في اللهو والغفلة والمعاصي، والفراغ فيما لا يرضي الله عز وجل، فيأتي الإنسان يوم القيامة ذلك القوي النشيط كمال الأجسام يسبقه النحيل الضعيف المريض؛ لأن هذا النحيل المريض قد سخر القليل الباقي من صحته في طاعة الله عز وجل، وذلك القوي صاحب كمال الأجسام قد ضيع هذه العافية والقوة في معصية الله عز وجل، وربما يأتي الرجل المشغول بلقمة العيش منذ أن تطلع الشمس إلى أن تغيب وقد سبق ذلك الفارغ الذي ما عنده شغلٌ يشغله، لأن ذلك الفقير المشغول قد أنفق وأمضى وصرف البقية الباقية من وقته في طاعة الله عز وجل، وذلك المتفرغ قد ضيع الوقت وجعله في معصية الله سبحانه وتعالى.

نقول أيها الأحبة: إننا نحذر إخواننا وأنفسنا وشبابنا ألا نغبن في صحتنا فتضيع القوة في غفلة، وفي معصية، وألا نغبن في أوقاتنا فيضيع العمر من غير أن نجني منه أرباحاً في العمل الصالح، ودرجاتٍ تقربنا إلى مرضاة الله عز وجل، ونقول لكل واحدٍ منا ما قاله الشاعر قديماً:

تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد

وتب مهما جنيت وأنت حيٌ وكن متنبهاً قبل الرقاد

ستندم إن رحلت بغير سعيٍ وتشقى إذ يناديك المنادي

أترضى أن تكون رفيق قومٍ لهم زادٌ وأنت بغير زاد

إذا أدرك شبابنا هذه القضية وعرفوا أن الله عز وجل قال: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:٤ - ١١] من أي الفريقين أنت أيها الشاب: أفمن يرضى لنفسه مخالطة الأشرار، وأصحاب السوء أهدى، أمن لا يرضى إلا بمخالطة الصالحين والأخيار قال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:٢٢] أفمن ثقافته المجلة الخليعة والفلم الماجن أهدى، أمن اشتغل وامتلأ قلبه بالقرآن والسنة وكلام أهل العلم؟ أفمن يعيش ليأكل ويشرب وينكح وينام ويتسمى باسم المسلمين أهذا أهدى، أمن يعيش لهذا الدين ويعيش لهذه العبادة؟