للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرص الإسلام على إصلاح ذات البين]

ولما كان الأمر بهذه الخطورة حرص الإسلام في هذا التشريع العظيم الجميل الرائع الذي لو كان من عند غير الله لوجد فيه الاختلاف الكبير، حرص هذا الدين، وحرص الشارع على إصلاح ذات البين، بل وأباح الكذب في إصلاح ذات البين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الكذاب الذي يقول كلمة فينمي خيراً أو ينقل خيراً) أي: أن تُزوِّر شيئاً من الكلام لإصلاح ذات البين بين مسلم ومسلم، بين رجل وزوجته، بين قبيلة وأخرى، بين سيد وآخر، بين موظف ورئيس، بين زميل وآخر، بين جندي وضابط، بين صغير وكبير، بين حاكم ومحكوم، بين عالم وغيره، إن كلمة طيبة لأجل إصلاح ذات البين حتى ولو لم تكن موجودة على أرض الواقع لا تعد من الكذب المحرم، بل يؤجر صاحبها والله جل وعلا يقول: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء:١١٤].

عجباً لهذه النجوى التي نُهي عنها: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} [المجادلة:١٠] {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المجادلة:٩] {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء:١١٤] إلا في حالة إصلاح ذات البين ربما يكون في النجوى خير كثير: {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:١١٤].

إن الله قد وعد بأجرٍ عظيم على إصلاح ذات البين، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن ضد صلاح ذات البين هو أمر خطير، حالقة الدين، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى.

قال: إصلاح ذات البين -ثم قال- فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر ولكن تحلق الدين) رواه الترمذي والحديث صحيح.

أيها الأحبة! لماذا تكون هذه المعصية حالقة للدين؟ نعم، لأن أصحابها لا يتشفى أحدهم إلا بالكلام في عرض صاحبه، واستدراج الحديث، والدوران حول المواضيع رويداً رويداً، خطاً خطاً، دائرةً دائرةً، حتى تجد الذي في قلبه مرض يجر الحديث من بعيد لتنصب العبارة ويكون الحديث في نهاية المطاف ليكون في عرض ذلك الذي قد امتلأ قلبه عليه حقداً وحسداً؛ ولأجل ذلك نهى الإسلام عن هذا أيما نهي، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث).

إن الإسلام حريص على أن يقطع أبواب الجفاء وأبواب القطيعة وأبواب الغلظة، إن الإسلام حريص أن يكسر هذه الأبواب ويمد الصلات بين المسلمين، وما ذاك إلا لأجل حفاظ قلوبهم على بعض، ولأجل المحافظة على حسناتهم.