للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم وجود الانفصامية في الأحكام الربانية]

كذلك من أثر الإيمان على الفتاة المسلمة: أن تكون مستجيبة لله جل وعلا، فإن هذا الإيمان يدعوها إلى التصديق والانسجام، أعني بذلك أن الفتاة حينما تؤمن بهذا القرآن أنه كلام الله، وواجب كلام الله أن نطبقه وأن نسمع له، ألا يوجد انفصام عند الفتاة المسلمة في عقيدتها وسلوكها؟! لا يمكن هذا ولا يقبل بأي حالٍ من الأحوال، وبالمثال يتضح المقال.

قبل مدة أحد الإخوة كان مسافراً إلى القاهرة يقول: لما هبطت الطائرة إذ بفتاة تتعلق بأمها، ما شأن هذه الأم لما أصبحت الطائرة وشيكة على الهبوط؟ قامت الأم المتمدنة المتطورة التي تشعر بعقدة التخلف -يا للأسف! تلك المسكينة- نزعت حجابها وعباءتها، ثم بدت سافرة كأنما هي أرجوزة من أراجيز السيرك العالمي بمساحيق وجهها وألوانها، وإذ بالفتاة الصغيرة تقول: يا أمي! عيب، يا أمي! تغطي يوجد رجال، يا أمي! استحي، يا أمي! عيب، فتقول الأم لبنتها: اسكتي اسكتي يا بنيه هذا عيب! هذه امرأة مسلمة تؤمن بالله وتؤمن برسوله وتؤمن بالقرآن الكريم؟! لكن المشكلة أنه يوجد انفصام بين النظرية والفكر والاعتقاد، وبين الواقع والتطبيق والسلوك، هذه مشكلة من أعظم المشاكل، فأثر القرآن على الفتاة المؤمنة ألا يوجد عندها انفصام، فكما أنها تصوم رمضان بالكامل من الفجر إلى أذان المغرب فهي تلتزم بالحجاب بالكامل، وكما أنها تؤدي الصلاة فهي تمتنع عن الملاهي، وكما أنها تقوم ببر والديها فهي أيضاً تمتنع عن الوقوع في المكالمات الهاتفية، أو الولوغ في مهاوي هذه الرذيلة وهذا الانحلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذاً: فأثر القرآن على الفتاة المسلمة ألا يوجد عندها انفصام، وهذا الانفصام يعني: أن تقول: أنتمي لشيء والواقع يختلف عنه، أنا مسلم وتصرفاتي تصرفات غير مسلم، أنت فتاة مسلمة والسلوك وبعض المعاملات مخالفة، هذا لا يجوز أبداً.

ومصيبة الأمة الإسلامية هي مصيبة الانفصام النكد بين العقيدة والتطبيق وبين النظرية، وتجد الإنسان يعتقد أموراً ويؤمن بها والواقع يخالفها، ومن أجل هذا لما وجد هذا الانفصام ما عادت لنا الهيبة التي كانت موجودة لآبائنا وأجدادنا، لماذا؟ لأننا في هذا الزمان أصبحنا نحمل صورة الإسلام وقد ضيع بعضنا حقيقته، الآن أنتن في هذه المدرسة عدد كبير -ما شاء الله- لو أننا فتحنا البوابة الكبيرة التي خلفكن وأدخلنا عليكن أسداً كبيراً جداً محنطاً، وهذا الأسد قد فتح فمه وبدت أنيابه، كل واحدة منكن -ما شاء الله- ما هذا الأسد! والتي تلمس رأسه، والتي تلمس أنيابه، والتي تنظر من أي شيءٍ حشي هذا الأسد، وستجد الأطفال يركبون على رقبة الأسد ويلعبون بجوار الأسد.

عجيب! أسد والنساء والأطفال حوله لا يخافون؟! تقولون: لأن هذه صورة أسد محنط، ليس أسداً حقيقياً، نقول: لا حرج، وفي هذا الوقت لو تَفلَّت عليكن قط ثم أخذ يمشي مسرعاً، وهذا القط متوحش، لسمعت الصراخ، ولرأيت بعض النساء تهرب والأخرى تنحاز، وأخرى تمسك ولدها وهلم جراً.

لماذا تدرن حول الأسد، وتلمسن أنيابه، ولا تخفن منه، ولما مرت هذه القطة المتوحشة الصغيرة كل واحدة خافت وصرخت، نقول: لأن الأسد صورة والقطة حقيقة، فالناس تخاف من الحقائق مهما كانت تافهة، الناس تخشى من الحقائق مهما كانت صغيرة، ولا تبالي بالصور مهما كانت عظيمة.

فكذلك الإيمان حينما يكون في الفتاة المسلمة إيمان صوري، أو بالأحرى إسلام صوري، وليس إسلاماً حقيقياً ينعكس على واقع الحياة سواءً في معاشرة الأهل والوالدين والزوج وتربية الأولاد وحسن العلاقة والجوار وهلم جراً، فهذا الإيمان لا يكون له أثر، وربما تجد المسلمة مثلاً في الخارج تجلس بجوار الكافرة وتنظر إليها وتحدثها، وتبتسم لها وتتبادل معها السجائر وأشياء كثيرة، ولا تبالي هذه الكافرة أن تنظر إلى هذه المسلمة اسماً نظرة السخرية أو نظرة ازدراء؛ لأنها فتاة مسلمة تعتقد وتدين شيئاً والواقع يعاكس ذلك.

الحقيقة -أيتها الأخوات- أن مسألة الصورة والحقيقة من أصدق وأقرب الأمثلة التي ينبغي أن ننتبه لها حتى تعرف الواحدة أثرها، كم عندنا في المدرسة الآن من فتاة مسلمة؟ كم يوجد من زوجة مسلمة؟ كم يوجد من بنت وأم مسلمة؟ المدرسة مليئة، لكن أين الآثار المرجوة وأين الآثار المطلوبة؟ كم رأينا من الأمهات المسلمات (وأفلام الكرتون) تربي أطفالهن! كم رأينا من الأخوات الملتزمات والبيوت مليئة بآخر مجلات البردة والأزياء! كم رأينا من الطيبات الصالحات وللأسف تجد هناك مخالفات كثيرة! لماذا هذا؟ لأن المسألة غلب عليها جانب الصورة أكثر من الحقيقة.

إذاً: فنحن نريد الفتاة التي أثر القرآن عليها أثراً حقيقياً، لا نريد الفتاة الضعيفة التي تذوب وتنحل أمام حرارة الإغراء، فتجد سمعة الإسلام الشمعية عندها، لكن لو تواجهها حرارة الدعاية والإعلان والإغراء والإرجاف والمديح والثناء، والفتاة السعودية وصلت! والفتاة السعودية نافست! والفتاة السعودية فعلت! لوجدت الشيطان يعبث بها، وأصبح هذا الإطراء أو هذا المديح أو هذا الإغراء يرجف بقلبها؛ حتى تفكر أن تعطي مزيداً من التنازل عن دينها؛ من أجل أن تصل إلى صدارة الصحف وأبواب المجلات وزوايا الإعلام وغير ذلك.

فالواجب أن ننبه الفتاة، ودائماً أعداء الإسلام لا يواجهون الفتاة المسلمة مواجهة مباشرة، ثقوا واطمئنوا أنه لن يأتي يومٌ ما فلم من الخارج أو من الداخل ليقول: أيتها الفتاة! انبذي الحجاب، اتركي الحجاب، مزقيه، أو أيتها الفتاة! اشتغلي راقصة، أو ممثلة، أو اعملي في هذا المجال المهين، لا.

لن يقال لك هذا، لكن الواقع يشهد أنه يمكن أن نقنع واحدة من بنات المسلمين من خلال الدعاية بأن تكون عارضة أزياء، لا يمكن أن تأتي رسالة أو مجلة أو فيلم ليقول: يا بنت! كوني عارضة أزياء، أو ممثلة أو راقصة، أو نريد أن تكوني كذلك، لا يمكن هذا، لكن من خلال الدعاية والإعلان يمكن أن نغريها لتكون عارضة أزياء.

من خلال الدعاية والإعلان ممكن أن تجد الفتاة التي ترغب أن تكون راقصة، من خلال الإغراء والمديح المزيف يمكن أن نجد من فتيات المسلمات من تتمنى أن تكون مضيفة، ومن تتمنى أن تجتمع بالرجال، ومن تتمنى أن تفعل هذا وهذا، لماذا؟ لأن الفتاة التي لا أثر للقرآن عليها ولا إيمان موجودٌ عندها هذه الفتاة فارغة ما عندها شيء.

خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء

نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعدٌ فلقاء

فاتقوا الله في قلوب العذارى فالعذارى قلوبهن هواء

المرأة التي لا أثر للقرآن في قلبها ضائعة، تستجيب عند أدنى دعاية، وأدنى موضة، وأدنى شيء، ولذلك فمن واجب الفتاة المسلمة أن تنتبه لهذه الناحية، وأن تنظر إلى أي درجة بلغ أثر القرآن عليها، نريد أن تعتني بالقرآن، أن تعود إلى كتاب الله جل وعلا، وحينئذٍ سترى الخير يتفجر من ينابيع يديها، وسترى تأثيرها على زميلاتها وأخواتها في كل مجالٍ؛ في مدرستها، في جاراتها، في قريباتها، في كل مكان سترى لها أثراً بإذن الله جل وعلا.