للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخاتمة الحسنة والخاتمة السيئة]

لحظات الخاتمة هي التي أقضت مضاجع القوم، فحرمتهم نوم الليل والعيش الهادئ، فلم يغتروا بعبادتهم مع كثرتها، ولا بصلواتهم مع خشوعها، ولم يغتروا بكثرة ما أنفقوا من أموالهم في سبيل الله، ولم يغتروا بكثرة صيامهم في الهواجر، ولم يغتروا بكثرة قيامهم في الثلث الأخير من الليل، عن سالم بن بشر أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه فقيل له: يا أبا هريرة! ما الذي يبكيك؟ فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي بعد سفري وقلة زادي، وإني أصبحت في صعودٍ مهبطٍ على جنة أو نار لا أدري إلى أيهما يؤخذ بي.

خوف الصالحين من سوء الرحيل هو الذي أقض مضجعهم، وجعلهم يزهدون في هذه الدنيا، فالمؤمن لا بد أن يسيطر عليه هاجس الخوف ومن سوء الرحيل، وهاجس الخوف والحذر من أسباب سوء الرحيل، وهكذا كان الصالحون يخشون سوء الخاتمة، ويسألون الله أن يتوفاهم على الإسلام إذ ربما غلب على الإنسان ضربٌ من الخطيئة، وربما غلب عليك نوعٌ من المعصية، أو جانبٌ من الإعراض، أو نصيبٌ من الافتراء، فملك قلبك وسبى عقلك، وأطفأ نورك، وأرسل عليك حجباً، فلم تنتفع بتذكرة، ولم تنجع فيك موعظة، وربما جاءك الموت وأنت على ذلك، فسمعت النداء وأنت في مكانٍ بعيد ولم تتبين المراد ولم تعلم ما أراد وإن أعاد عليك وأعاد.

قال ابن أبي حمزة في شأن الخاتمة: هذه التي قطعت أعناق الرجال، مع ما هم فيه من حسن الحال؛ لأنهم لا يدرون بما يختم لهم، كان الصحابة يخافون من ساعة الرحيل، أفلا نخاف نحن يا معاشر المفرطين؟ كان الذين بلغوا وجاوزوا القناطر يخشون من سوء الرحيل، أفلا نخاف نحن مستودعات الخطيئة، ومخازن الغفلة واللهو عن طاعة الله وذكره؟