للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خبيب بن عدي وثباته أمام فتنة قريش حتى قتل]

جيء بـ خبيب بن عدي، وصلب على خشبة، وجعلت سهام قريش تخطيه يمنة ويسره، يريدون أن يخاف، شخص لا حول ولا وقوة إلا بالله لو يصلب في هذا العمود، ثم يؤتى بأربعة جنود يطلق أحدهم رصاصة عن يمينه، ورصاصة عن يساره، ورصاصة فوق، ورصاصة تحت، هاه أتترك هذا الدين أو لا تترك هذا الدين؟ سيقول: يا جماعة موافق أطلقوني فقط، تجده ولا حول ولا قوة إلا بالله ممن لا يصدق في دعوى إيمانه، بل يتنازل عند أتفه شيء.

جيء بـ خبيب بن عدي وصلب على خشبة، وجاءت قريش برجالها ونسائها وسفهائها، وجعلت السهام تتخطاه يمنة ويسره، فقيل له: أيسرك أن محمداً مكانك؟ معناها: دع محمد ينفعك، انظر ما أنت الآن فيه، وهكذا يأتي المرجفون المثبطون إذا وقع أحد الصالحين في نوع من البلاء أو الفتنة، إنسان قد يكون عنده أسهم ربوية، إنسان قد يكون عنده تجاره محرمة، ثم يأتي من ينصحه يقول له: يا أخي! اتق الله! فتنة المال لا تغويك، فتجد هذا الشاب أو هذا الرجل يبرأ إلى الله من الحرام، ويقنع بالحلال فيفاجأ بنوع ابتلاء وامتحان، فتصيبه فاقة وفقر، وقلة ذات اليد، فيأتي المرجفون الذين يتحدثون، دع دينك ينفعك، لو عندك أسهم في البنك، وأنت كل سنة تأخذ أرباحها، وتصرف على نفسك، وتسدد الكهرباء والماء والهاتف، وتصلح جميع هذه الأمور من هذه الأسهم، لكن دع هذا الذي ينصحك ينفعك الآن.

جاءت قريش تقول لـ خبيب: هل يسرك أن محمداً مكانك؟ يختبرونه وفي نفس الوقت يعرضون بالنبي أمامه، فأخذ يضطرب ويبكي ويقول: لا، لا.

ولا أن يشاك بشوكة في بدنه صلى الله عليه وسلم، لا أرضى أن يكون محمد مكاني، ليس في القتل بل في شوكة يشاكها في بدنه لا أرضى، وكان أول من سَنَّ سُنة ركعتي الشهادة؛ لأنه لما أرادوا أن يصلبوه، قال: اتركوني، ثم صلى ركعتين، تجوز فيهما، أي: أسرع، فقال: لولا أن تقول قريش: خاف من الموت، لأطلت في ركعتي هاتين، ثم قال أبياتاً:

لقد جمع الأعداء حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمعِ

ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع

نعم يا عباد الله! ثبت ذلك الصحابي حتى تخطفته الرماح والسهام، وأفضت روحه إلى بارئها، ثبت إيمانه، دعوى الإيمان خرج صدقها، وظهر برهانها، وهكذا ربى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته على إيمان يقاوم الفتن، أما إيماننا -أيها الإخوان- نسأل الله ألا يفتننا في ديننا.

يا إخوان! مثلما يقول العوام: "الإيمان في القلوب" والله إن فُتِن لرأيت العجائب والمصائب ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا بليتم فاصبروا، لا تتمنوا الفتنة واسألوا الله العافية، لا ينبغي لأحد أن يعرض نفسه للفتنة ليقول: أنا أريد أن أعرف درجة نجاحي في الإيمان، لا، لكن الإنسان يصدق في دعواه مع الله جل وعلا، وينتبه لنفسه فذلك خير له.