للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثمرة الالتزام الدعوة إلى الله في مختلف مراحل الحياة]

السؤال

أنا شابٌ فقير إلى الله حيث كنت من الشباب الذين يغارون على الدين، وكان لديَّ نشاطٌ قوي قبل فترة، وبعد الزواج أصبحت أتقاعس عن الطاعة، وكذلك عندي أحد الإخوة يدعوني إلى أمور الدنيا ويزينها لي، أرجو نصحي وتوجيهي إلى الطريق الصحيح، علماً أن أهلي يعينوني على الطاعة؟

الجواب

الحمد لله وبعد: أما بالنسبة لقولك أنك بعد الزواج قد ضعفت وتكاسلت عن الطاعة فليس بغريب، ومن المنعطفات الخطرة في حياة كثير من الشباب المسلم ما يصيبهم بعد زواجهم من انشغالٍ بأمور حياتهم الخاصة عما أكرمهم الله به من الدعوة إليه جل وعلا، وطالما سمعنا من الزوجات أن زوجها يقصر في حقها، التقصير شيء، لكن أن يصرف الإنسان جل وقته لزوجته، والله لو كان صرف هذا الوقت ينجي من النار ويقرب من الله جل وعلا لكان في هذا خير، والقضية حقيقة تحتاج إلى ضبط ومقياس، فكثير من الإخوة حينما يتناقش مع أهله، تجد زوجته تقول له: كان صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) (كلُّ لهو لا يثاب الرجل عليه، إلا حديث الرجل مع امرأته أو ملاعبته أهله) إلى آخر ذلك، لكن هل سنستمر في الليل والنهار في سواليف مع النساء وملاعبة للأهل؟ المنتظر من زوجة الشاب المسلم، كما أن الشاب له دورٌ في الدعوة أن يكون لها هي أيضاً دورٌ في الدعوة، أما أن تريد شاباً ملتزماً لكي تقفل عليه الأبواب الأربعة لا يخرج إلا للصلاة وتسأله بعد الصلاة: تعال، ولماذا تسهر؟ ولماذا جلست؟ نعم.

لابد أن يعطيها حقها، لابد أن يخصص حديثاً معها، لكن أن يكون الظُّهر معها، والعصر معها، والمغرب معها، والعشاء معها، أظن هذه تربية أنوثة وليست رجولة ولا زواجاً.

فالحقيقة ربما أو لعل صاحبنا ممن فهم نصوص الحض والحث على العناية بالأهل والزوجات فهماً أسرف فيه وأبعد النجعة، فأشغله ذلك عن إخوانه، والمرء ضعيفٌ بنفسه قويٌ بإخوانه.

الأمر الآخر: النفس دائماً ميالةٌ إلى الترف، ميالةٌ إلى الدعة، ميالةٌ إلى السكون.

والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما ما حظاك النصح فافتهم

ولا تطع منهما خصماً ولا حكما فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

النفس حينما تعودها الدعة والراحة، والسكون والخمول، بل إن طول الجلوس مع المرأة ربما يورث مللاً، وهذا أمرٌ ليس بعجيب؛ لأجل ذلك نقول: أعط أهلك حقهم، ولكن لا يكون هناك إسراف يشغلك عن حضور مجالس الذكر، وحلق العلم، ومجالسة العلماء، وطلبة العلم، وقراءتك واشتغالك بالدعوة إلى الله جل وعلا، والمصيبة التي طالما نرددها كثيراً: أن الشباب الطيب في هذا المسجد كثير، لكن كم عدد العاملين في الدعوة؟ نحن شركة استقدمنا ألف عامل، فجعلنا كل عاملٍ يلبس لباس الشركة، ثم وقفنا عند هذا الحد، آلاف الشباب ما شاء الله ملتزمون محافظون على الصلاة وكفى، عمال مدربون مهرة ممتازون وكفى، فهذا لا يقبله إنسان يستقدم ألف عامل مدربين ممتازين على فنون الصناعة والتقنية والإنتاج ومجرد أن يلبسهم بدلة الشركة أو شعار الشركة يقول: إلى هنا وانتهى العمل، بالضبط هذا مثلنا الآن في هذه الصحوة على اختلافٍ في التسمية أو في وجهات النظر في هذه التسمية، الصحوة الآن آلاف مؤلفة من الشباب لكن:

وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفعٌ وموتك فاجع

ما أكثر الطيبين! نفجع بموت أحدهم، أو بمصيبة أحدهم، وما أقل من ينفع منهم، والله لو أن كل شاب ملتزم وكل شاب فيه خير يعمل؛ يدعو إلى الله؛ إلى شريط أو كتاب، إلى زيارة، أو ندوة، أو حلقة ذكر، دعوة جار، أي عمل من أعمال الدعوة إلى الله، والله لتجدن الخير يتدفق طولاً وعرضاً، وشرقاً وغرباً.

لكن في الشركة لبس عمالها الزي ووقفوا عند هذا الحد، إن أبا بكر لم يقبل الإسلام ووقف عنده فحسب، بل لما أسلم وبدون أن يقول له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ذهب وأتى بـ أبي عبيدة، وبـ عبد الرحمن بن عوف، وبغيرهم من الصحابة، إن الثمرة الطبيعية للإسلام والالتزام: الدعوة إلى الله، هل هي موجودة أم لا؟