للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القوة في العبادة والرغبة إلى الله]

ومما تنال به الجنة: القوة في العبادة والرغبة إلى الله عز وجل، وقوة الانكسار والخضوع والخشوع لله، إنما الأعمال تتفاضل بحقيقة ما يقوم في قلب القائم بها والعامل لها، ليس بكثرتها ولا بضخامتها ولا بشكلها ولا بصورها (سبق درهمٌ ألف درهم) إن الصحابة مُد أحدهم أعظم من جبلٍ ينفقه أحدنا في هذا الزمان: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٥ - ١٧].

الخوف من الله، وما أجمل الخوف من الله، إذا دعيت إلى معصيةٍ فوعدوك بمالٍ عليها، أو زخرفوا لك في ارتكابها، أو وسوسوا لك في قربانها، فقلت: إني أخاف الله: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:١٧]، {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:٢٣].

أيها الأحبة: ينبغي أن يتذكر الواحد نِعم ربه عليه، فلا يتجرأ بهذه النعمة على المعصية، وليكن في قلبك خوفٌ من الله عز وجل، والله إن كثيراً من الناس إذا دس أو أدخل من تحت بابه ورقةً يطالب فيها بالحضور إلى مقر الشرطة صبيحة يومٍ معين احمر واصفر وجهه، وانتقع لونه، وذهبت به الأفكار أخماساً وأسداساً، وتشتت ذهنه انزعاجاً من هذا الأمر، يا ترى ماذا يريدون مني؟ لو قيل لك: إنذارٌ قد وجه لك، أنت مطلوبٌ للتحقيق، أنت مطلوبٌ للمحاسبة، أنت مطلوبٌ للمساءلة، والله لا تدع صديقاً ولا وجيهاً ولا قريباً ولا حسيباً إلا وحاولت أن تجعله وسيلةً أو تجد عنده شفاعةً للاستفسار عن هذا الأمر الذي أهمك، فما بالك والواحد منا ينتظر منيته صباح مساء، ويخبرني الأخ الشيخ/ محمد الغزالي وفقه الله، وبارك في جهوده: أن رجلاً اتصل به على جهاز النداء من مدينة الرياض، فقلت: هذا رقمٌ نعرفه، فانظر لم اتصل صاحبنا هذا، فقال: إن فلاناً قد توفاه الله، سبحان الله! أنا أعرف أن فلاناً هذا لو صارع أقوى رجل فيكم لصرعه، أعرف أن هذا الشاب قوي جلد نشيط، ما يخطر ببالنا أن يموت، لكن جاءته المنية ومات وانتقل إلى رحمة الله، فلا أتكون المنية غداً لي أو لك.

لا بد أن نتخيل هذا، وأن نتصوره، فالواحد أيها الأحبة! لا يخشى من البشر، {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:٣٧] لا بد أن يكون في القلوب خوفٌ من الله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:٤٦].