للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حادثة مقتل الشيخ جميل الرحمن]

أيها الأحبة! إن القلوب التي تفقه، والأفئدة التي تعي، والبصائر المتدبرة؛ تعلم أن مثل هذه الخاتمة خاتمة كرامة وعزة تُسجل بالدماء آفاق بعيدة، لصفحات وأسفار جديدة لمن مضى وسار على درب الجهاد.

عمر بن الخطاب ألم يمت قتيلاً؟ عثمان بن عفان ألم يمت قتيلاً؟ علي بن أبي طالب ألم يمت قتيلاً؟ كل أولئك من قادة الإسلام ماتوا قتلى، وغيرهم وغيرهم من علماء الإسلام وأئمة الدعوة، ولو دنونا بكم من حقبة مضت إلى زمن قريب نسألكم ونقول: الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ألم يمت قتيلاً؟ إحسان إلهي ظهير ألم يمت قتيلاً؟ عبد الله عزام ألم يمت قتيلاً؟ إن القتل في سبيل الله منزلة لا ينالها إلا القلة، إن القتل في سبيل الله كرامة لا يبلغها إلا الصفوة، لأجل ذا نقول: نسأل الله أن يجعل فقيد الجهاد ممن قال فيهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٢٣].

أيها الأحبة في الله! في الجمعة الماضية كان حديثنا عن الفتن، وعما يدور ويحصل في الفتن، وعن ضياع الرأي، وزيغة الفكر، وفقدان التبصر عند كثير من الناس حال الفتنة، وكنا في الجمعة الماضية في حديثٍ معكم كما لو كان الواحد يعلم أن الشيخ قد قُتل، أو كما لو كان الواحد عنده نبأ عن قتل الشيخ، فلما صلينا العصر، إذ بثلة من الشباب الأخيار يخبرونني، ويقولون: عظَّم الله أجرك في الشيخ جميل الرحمن، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله ألا يفتنا بعده، وألَّا يحرمنا أجره، ونسأل الله أن يبدله منزلاً خيراً من منزله، وسكناً خيراً من سكنه، وأهلاً خيراً من أهله، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص:٦٠] {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران:١٩٨].

معاشر الأمة! ليس هذا ببعيد، بل كما قلنا: إن الدعوة والجهاد كلما غذي بالدم كالشجرة التي طالما غذيتها بالماء، أنبتت فروعها، وأسبغت دوحتها، وانتشرت أوراقها.

إن الدعوة والجهاد بقدر ما تُسقى بالدماء تنتشر في مجالات عديدة.

يقول سيد قطب رحمه الله عند قول الله جل وعلا: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:٥١ - ٥٢] يقول: وكم من شهيد لو عاش آلاف السنين ما بلغت دعوته مبلغاً يساوي عُشر ما بلغت، إلا يوم أن رواها بقطرات من دمه، أي: أن الدم يروي الدعوة، الدم يروي الجهاد، الدم يضمن مسيرة قائمة طويلة للجهاد في سبيل الله.