للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إلغاء التخصص وخلط الوظائف]

يحرص أولئك على إلغاء التخصص وخلط الوظائف، أنتم تعلمون أن المرأة لها وظيفة لو اجتمع الرجال ليقوموا بها ما استطاعوا، فوظيفة الحمل لا يطيقها الرجال، وكذلك الولادة ومعاناة الحيض والنفاس المرتبطة بإنجاب الذرية، وتربية الأطفال والحدب عليهم، والسهر على شئونهم وأحوالهم.

إن طفلاً صغيراً لو بكى الليل فأودعته عند أربعة رجال لملوا من التناول على هدهدته وتسكيته، كلٌ يدفعه إلى الآخر، وكلٌ يمل من تسكيته ولو بضع دقائق، لكنك تعجب كل العجب يوم أن ترى أماً ترضع وقد تكون حبلى في نفس الوقت، ولديها طفلٌ أكبر من هذا الرضيع فتقوم في وسط الليل وربما لم تفتح عينيها، ولكنها تهيأت لذلك، ومضت وسارت على الفطرة التي خلقت لها، فتجد الطفل يصرخ فتقوم لتسقيه الماء، والآخر يبكي فتلتفت إليه لتغيير ملابسه، والرضيع يصيح فتحضنه إلى صدرها وتلقمه الثدي وتسهر طول الليل ثم تنسى هذا كله في ابتسامة مشرقة يوم أن تراها بادية على محيَّا هذا الطفل الرضيع، أو على ذلك الطفل يوم أن يصبح وهو يضمها أو يلتف حولها أو يرمي برأسه عند رجليها، فتنسى الدنيا وما فيها فضلاً عما لقيت من العناء والتعب والمشقة في العناية بهذا الطفل، هل يطيق الرجال هذا؟ هل يستطيع الرجال هذا؟ لا والله لا يطيقونه ولا يستطيعونه ولله الحكمة؛ لأنهم لا أعدوا له بأي حالٍ من الأحوال.

أولئك الذين يتربصون بالمجتمع الدوائر، ويسعون إلى إخراج المرأة من عفافها وطهرها وحيائها، يريدون للرجل أن يمارس هذا الدور، ويريدون للمرأة أن تمارس الدور الآخر، أن تخرج هي فتخالط من شاءت وتتهيأ وتتزين لمن شاءت، وتعمل في أي مجالٍ شاءت، وما اختارت المرأة لنفسها إلا سعادة لكنهم أفسدوا فطرتها، وخدشوا جبلتها وطبيعتها

ومن يك ذا فم مر مرير يجد مراً به الماء الزلالا

فجر الرجال إلى وظائف النساء، وجرت النساء إلى وظائف الرجال، وصار هناك خلطٌ في الوظائف والمسئوليات، وإني عجبت ذات يوم، يوم أن اتصلت بصديقٍ فقلت له: ماذا تفعل في البيت هل تقرأ أم تكتب؟ فقال: لا.

لكن زوجتي ذهبت إلى السوق وبقيت أحرس الأطفال، فقلت: الحمد لله، تسرح العنز ويجلس التيس، نعم.

هذا من العجائب والغرائب، نحن لا نقول هذا لكي يتأذى الرجال أو ينفروا عن المكوث مع الأطفال بعض الساعات حينما تدخل المرأة مع أخيها أو محرمها أو مع عدد من النسوة لقضاء حاجاتهن المعتادة في أوقاتٍ محددة من غير كثرة خروجٍ أو جعل الخروج من المنزل سمة وسجية، لكن نقول هذا إذا كانت سمة الرجال البقاء في البيوت، وحراسة الأطفال، وسمة النساء السبت في حديقة الحيوان، والأحد في الحي الدبلوماسي، والإثنين في الفندق الفلاني للحفلة الفلانية، والثلاثاء في الزفاف الفلاني، والأربعاء في المكان الفلاني، وتجد الرجل قد قام بمهمة الحراسة على خير وجهٍ بارك الله فيه وسلمه، وجزاه الله خير الجزاء، لا يعاب رجلٌ أن يمكث عند أطفاله فيربيهم ويعلمهم وينصحهم ويوجههم، لكن أين المرأة؟ ولماذا تركت الأطفال؟ ولماذا غفلت عن دورها؟ ولماذا استقلت واستهانت بمسئوليتها؟