للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجنة وما فيها من طيب الكلام والمسكن]

في الجنة لا تسمع إلا أطيب الكلام، هل آلمتك ذات يومٍ كلمةٌ صدرت عن مسئولك في العمل، وتركت في نفسك جرحاً وحرجاً لم يندمل إلا بعد أيام؟ هل شعرت بالحزن تجاه صديقٍ وجه إليك كلمةً قاسية لم تكن تتوقع صدورها منه؟ أما ضقت يوماً بمجلسٍ من المجالس كثر فيه اللغو والغيبة وفاحش القول وساقط الكلام؟ كل ذلك ليس في الجنة أبداً، إنما فيها الطيب من القول، قال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج:٢٤] يقول ابن كثير رحمه الله: فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب، لا كما يهان أهل النار بالكلام الذي يوبخون ويقرعون به.

نعم.

أيها الأحبة: إن طمأنينة النفس حتى من سماع كلامٍ ينغص عيشها ويكدرها أمرٌ مطلوبٌ قد لا تجده في هذه الدنيا, ولا يستطيع الإنسان أن يسلم من الناس.

لو كنت كالقدح في التقويم معتدلاً لقالت الناس هذا غير معتدل

فلا يمكن أن تسلم من سماع كلامٍ يكدر، أو يجعلك تتعثر، ولكن في الجنة لن تسمع إلا طيب القول وأكرم وأجَلَّ وأجمل الكلام.

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يسمع ذلك، قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:٢٥ - ٢٦] لا يسمعون كذباً ولا باطلاً، ولا يؤثم بعضهم بعضاً، هم في مساكن طيبة، هم في درجات عظيمة: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:٧٢] مساكن طيبة، حسنة البناء، طيبة القرار، فيها نعيمٌ عظيمٌ ومقيم، لبنة من ذهب، ولبنةٌ من فضة، وملاطها المسك، لا يفنى أهلها، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنون، ولا يموتون، بل مخلدون بمنِّ الله وكرمه.