للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشريعة تدعو إلى الضمان والكفالة]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه وعن المثيل وعن النظير، ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، كل ذلك تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا لله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

معاشر الأحباب: لا يظن مسلمٌ أننا بهذا الحديث المتقدم آنفا ً نحذر الإنسان أن يكفل أو يضمن! لا.

لأن الشريعة قد جاءت بهذا الأمر فلا ينبغي ولا يجوز أن يُحذر عن أمرٍ جاءت الشريعة به، ولكن الذي نُحذر فيه أن يضمن الإنسان في شيءٍ لا يعلم مقداره أو حدوده أو قدره، وهو الملاحظ من كثيرٍ من الناس، فإذا حُجز أحد أصحابه أو أقاربه جاء مقدماً هذا الضمان أو الكفالة وهو لا يدري ما مقدار الدين الذي في ذمته، ولا يدري ما مقدار جريمته، ولا يدري ما مقدار الحق الذي ثبت في ذمته، ومع ذلك تجده يبادر من غير سؤال، ألا وإن ذلك غفلةٌ وبلاهة وليس شهامة!! لأن الإنسان حينما يزج بنفسه فيما لا طاقة له به فإنه قد يكون من الجهل أقرب من العقل والتؤدة والتأني.

فلذلك ينبغي للإنسان أن يعرف أولاً نوع هذا الضمان، وما هو مقدار المال الذي سيضمن فيه، ثم ليجعل في حسبانه أنه لا بد مسلمٌ ومقدمٌ هذا المال الذي يضمن عنه، وليجعل في ذهنه أسوأ الاحتمالات وأشدها ضيقاً، ألا وهو عجز من ضمنه عن الأداء، وعند ذلك يُحاسب الإنسان نفسه في هذه اللحظة، هل يتقدم وهل يجترئ على هذا الضمان أم لا؟ وبعد ذلك ينبغي أن يعرف مقدار الدين، فقد يكون شيئاً يسيراً هيناً، لا يصعب عليه أن يقدمه عند عجز المضمون عنه، فبذلك يكون مأموراً ومندوباً ويُحث على أن يتقدم بالضمان عن ذلك إذا كان في مالٍ يسيرٍ يستطيع تقديمه، خاصة إذا كان الذي توجه عليه الحق معسراً ممن له عائلة وأسرةٌ يعولها، وأطفالٌ ينتظرونه، وزوجة لا تعرف كيف تُنفق على أولاده، فينبغي للإنسان أن يبادر إلى هذا النوع من الضمان فيما يستطيع به وفي معرفته حاجة المضمون عنه.

ثم بعد ذلك ينبغي أيضاً أن يعرف أن حقه ثابت ٌ في ذمة المضمون عنه، فإذا طالب صاحب الحق الضامن، ثم قدم هذا الضامن الدين الذي في ذمة الأول، فإن له بعد ذلك أن يعود إلى مطالبة من ضمنه بحقه الذي قدمه وسلمه، أما أن يضمن الإنسان فيما لا يستطيع فأكرر وأقول: إن هذا قد يكون من الجهل والبلاهة.

وكذلك الكفالة في الأمور التي تحتاج إلى إحضار إنسان معين في دائرةٍ معينةٍ أو في مكانٍ معينٍ، فينبغي للإنسان ألا يستعجل بكفالة هذا النوع قبل أن يعرف من هو هذا الذي يكفله، أهو من الذين يقدّرون المعروف، أهو من الذين يعرفون حق الله، فمن باب أولى ألا يضيع حق العباد.