للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية]

وكلماتي هذه إليكم -أيها الأحبة- وإلى الشباب خاصة إنما هي دعوة للتفكر والتأمل، ولحظة حساب وعتاب ومناقشة، سيما ونحن في بداية عام جديد نرسلها ونهديها إلى كل فتىً وفتاة، وإلى كل رجل وامرأة، وإلى كل ذكر وأنثى، وصغير وكبير، فاعلموا أحبتنا في الله: أن الأصل في المسلم والمسلمة أنه كلما عاش يوماً ازداد علماً وعملاً وفقهاً، ونفعاً للآخرين، ولأجل ذا كان خير الناس من طال عمره، وحسن عمله، لأن في مزيد من الأيام والليالي زيادة بالحسنات، وتكفير للزلات والسيئات.

الأصل والحقيقة -أيها الأحبة- أن حياة المسلم كلها لله جل وعلا، لا يجد فراغاً ينفقه أو يصرفه في معصية الله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣] الإنسان مشغول لا محالة بطاعة أو بمعصية، ومن ظن أنه يقف في برزخ، أو في مرحلة بين الخير والشر، وفي مقام بين أن يحسن أو يسيء فقد وهم وظن خطأً، يقول ربنا جل وعلا: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:٣٥ - ٣٧] قال بعض السلف: ليس في الأمر توقف، إما تقدم في طاعة، وإما تأخر في معصية، وقال الشافعي رحمه الله: نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، فكل نفس مشغولة إما بحق وإما بباطل، فشغل المؤمنين طاعة الله، وعمل فيما لأجله خلقوا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] وشغل الضالين سعي في بوار، وإنفاق في هلاك، وقد صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم: (كل يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها).